“القوات اللبنانية” .. رحلة البحث عن إنجاز !!

بقلم خالد صالح

يقول “جون كينيدي” : “لا تسأل ماذا قدّم لكَ وطنك، بل اسأل ماذا قدّمت أنت لوطنكَ” ..
سنتان ونيّف مرتا على الانتخابات النيابية الأخيرة، وقد دخلت البلاد بعدها نفق “المقاربة” بين الواقع والشعارات التي رفعت خلالها، خصوصًا شعارات حزب “القوات اللبنانية” التي غزت المناطق اللبنانية من خلال اللوحات الإعلانية ومضمونها “نحن بدّنا ونحن فينا”، والسؤال الذي يراود مخيلة الذين صدّقوا هذا الشعار، لماذا لم يتحقق، وهل بالإمكان أن يتحقق ؟.

تهاوي شعارات “القوات اللبنانية” بشكل دراماتيكي جعلها تنتقل من تخبّط إلى آخر، في محاولة لرأب الصدع الذي ظهر جليًا هذه الأيام، سنتان مدة كافية لمعرفة حقيقة هذه الشعارات من زيفها، إذ بالرغم من امتلاكها لأكبر كتلة نيابية “مسيحية” إلا أنها تفتقد إلى المرونة والديناميكية التي تخوّلها وضع تصوّرات جدّية للخروج من الواقع المأساوي الذي يعيشه لبنان .
شعارات ع مدّ النظر..

كثرت العناوين “الرنانة” التي رفعتها “القوات اللبنانية” خلال السنتين الأخيرتين، “نحن فينا نستعيد السيادة” فإذ بالسيادة اللبنانية تتلاشى نهائيًا وبات الملف اللبناني ينتقل من جهة إلى أخرى وتتناقله “الأيدي والأرجل” كالكرة من ملعب إلى آخر، فالسيادة في عرف “القوات اللبنانية” هو وضع “حد” نهائي وفوري لهيمنة “حزب الله” على القرار اللبناني، أما الانتهاكات الإسرائيلية الصارخة يوميًا فهي تتلطى خلف القرار ١٧٠١..
“نحن فينا نضبط التهريب”، “نحن فينا نحمي الهوية”، “نحن فينا مانرضخ للسلاح”، “نحن فينا نحافظ ع الجمهورية”، “نحن فينا نجيب الكهربا” وغيرها من الشعارات التي ذهبت أدراج الرياح وسقطت نتيجة عدم مقاربة الواقع بشكل دقيق، فوجدت “القوات” نفسها في موقع الدفاع المستميت عن شعارات لا تغني ولا تسمن من جوع، شعارات لا تتناسب أبدًا والظروف الراهنة التي نشهد فصولها عن كثب ..

لم يكن شعار “نحن بدنا ونحن فينا” سوى محاولة عقيمة لرسم سياق تاريخي لمسح جملة كبيرة من الاخفاقات والتسويات غير السوية، إذ أن امتلاك “القوات” لكتلة نيابية كبيرة لم يوفّر لها القدرة على الانتاج، وأن المسارعة إلى إعلان هزيمة “محور الممانعة” في الانتخابات كمؤشر على نصرها، ما لبث أن تلاشى، وما العريضة النيابية الداعية إلى فتح جلسات بدورات متتالية لانتخابات رئاسة الجمهورية (٣١ نائبا من وقع عليها)، سوى تأكيد أنها فقدت زمام المبادرة .

رحلة البحث عن إنجاز

تجهد “القوات اللبنانية” لوضع نفسها كـ “رأس حربة” في كل الاستحقاقات، وتصوير نفسها كـ “حالة قيادية” بوسعها تشكيل تحالف سياسي عابر للطوائف لمواجهة “حزب الله”، فسقوط شعاراتها الواحد تلو الآخر دفعها إلى المراهنة على هذه المواجهة، لكن “حساب الحقل ليس مثل حساب البيدر”، مسيحيًا تقدّمت لكنها تقوقعت داخل هذا الإطار، سنّيًا فقدت كل الدعم الذي حظيت به ما بين الـ ٢٠٠٥ و الـ ٢٠١٩ نتيجة مواقفها المتقلبة مع الرئيس سعد الحريري، درزيًا مازالت تجهد للحفاظ على “شعرة معاوية” التي تربطها بالحزب التقدمي الاشتراكي، شيعيًا لم تنجح في تعويم معارضي “حزب الله” داخل بيئته ولم تستطع إضفاء أي جديد على حيثياتهم ..

“البحث عن إنجاز” ما، دفعها في محاولة يائسة لعقد “لقاء معراب” للمطالبة بتنفيذ القرار ١٧٠١، وكما يقول المثل الدارج “إجا ت يكحلها فـ عماها”، مشاركة “قواتية عريضة، وتمثيل ضعيف جدًا من بقية المكونات، فـ “وقع الفاس بـ الراس”، إذ تبيّن أن رفع الصوت في مواجهة الحزب لن يُجدي نفعًا لأن الأمر برمّته مرتبط إقليميًا، والشعب اللبناني أصبح يدرك هذه الحقيقة، لهذا ترفض أي نقاش أو تشاور أو حوار لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وهي تعلم تمامًا أن هذا البلد محكوم بـ “التوافق” ..

الرهانات الخاطئة

ما راهنت “القوات اللبنانية” على أمر إلا وكانت التعقيدات نصيبه، فهي لا تملك تصورًا سياسيًا واضحًا، تتمسك بـ “الطائف” لكنها أحيانًا تنادي بـ “الفيدرالية”، تبحث عن تحجيم “النفوذ الإيراني” لكنها لا تقدم رؤية واضحة لهذه الغاية باستثناء التصويب على “حزب الله”، تريد لبنان وطنًا نهائيًا لجميع أبنائه، لكنها تجاهر بـ “ما بيشبهونا”، حتى في رهاناتها الخارجية، وجدت نفسها خارج الإطار التفاوضي الذي تشهده المنطقة، لاسيما التقارب السعودي – الإيراني .
وبالرغم من حضورها الوازن وهذا أمرٌ لا لبس فيه، لكن “القوات اللبنانية” لا تختصر الوجود المسيحي بكامله، لذلك فإن التقاطعات مع بقية الأفرقاء المسيحيين هي “تقاطعات فوقية” مبنية فقط على “الأحجام، وفي بلد مثل لبنان لم تكن الأحجام هي الفيصل في الحركة السياسية، وبعد سقوط “اتفاق معراب” وفشل التطلعات الموضوعة من خلاله، تتمسّك القوات بشروطها في الانتخابات الرئاسية، في محاولة للبحث عن إنجاز يسجّل لها بعدما أصبحت الاخفاقات سمة تلازمها باستمرار ..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top