سعد الحريري .. سامحك الله !!

بقلم خالد صالح

بعد انتهاءِ “حرب أوكتوبر 1973″، وقفَ الرئيس المصري الرّاحل أنور السادات في مجلس الأمة يُلقي خطابَ النصر، وممّا قال فيه: “ربّما سيجيءُ يومٌ نجلسُ فيه معًا لا لنتفاخر أو نتباهى بما حقّقناه خلال أحد عشر يومًا، ولكن لكي نتذكّرَ وندرسَ ونعلّمَ أولادَنا جيلًا بعد جيل، قصّة الكفاح ومشاقه، مرارةَ الهزيمة وآلامها، وحلاوةَ النّصر وآماله” .
عندما دخلَ الرئيس “سعد الحريري” مَيدانَ السّياسة اللبنانية وهو يحملُ على كتفيه “نعشَ رجل” لن يتكرّر في المدى المنظور، وبدأ باستشراف هذه السياسة العقيمة انطلاقًا من السؤال المركزي الذي وضعه نصبَ عينيه، ماذا كان والدي سيفعلُ في هذه المسألة ؟، سؤال يطرحُه على نفسه كلّما صادفته أزمة أو اعترضته مشكلة، أو تتطلّب الأمر منه اتخاذ القرار المناسب في استحقاق ما !!.
طوال المدة التي قضاها الحريري في “المستنقع اللبناني” لم يَحدْ عن هذا المبدأ، وظلّ متمسّكًا بالنهج الذي عايشه عن قرب، واكتسبَ منه “الروح” لمقاربة الوقائع والحقائق واستنباط الحلول و “التنقيب” بين الصخور عن مخارج للأزمات، ولأنه “ابن أبيه” ارتكبَ جملة كبيرة من الأخطاء، سيأتي يومٌ نرويها للأجيال، عن قصّة كفاحِ شابٍ ومشاقه، وكيفَ تلقّفَ الهزائمَ ومراراتها، وكيف تصرّف في لحظاتِ النصر وآماله ؟ ..
أخطاء بالجملة والمفرق
أخطأ سعد الحريري عندما تمسّك بـ “النواجز” بـ “لبنان”، وطنٌ نهائي لجميع أبنائه ونادى به “أولًا”، ولم تغب عن باله ظروف الوطن المعقدة والمتشابكة والمتداخلة بعضها ببعض بصورة “براغماتية”، فجاهدَ وقاتلَ وبذلَ الغالي والنفيس في سبيل ديمومته، أخطأ لأنه كان عليه أن ينزوي خلفَ “طائفته” ويتحدّث فقط بلغتها، وينادي بحقوقها أسوة بغيره .
أخطأ سعد الحريري عندما اعتبر “الوسطية” نقطة للتلاقي بين مكوّنات البلد، فمدّ يديه للجميع من دون استثناء، فلم يغدر ولم يطعن ولم يلعب “لعبة الدم”، حاولَ تدوير الزوايا وكسر كلّ ماهو حاد، أخطأ حين رفضَ أن يصيرَ مثلهم وأخطأ حين ظنّ أنه بهذا يدفعُهم كي يصيروا مثله .
أخطأ سعد الحريري حين اعتقد أن دماءَ “الرفيق الشهيد” ستعبّد الطريق نحو قيامة لبنان، فأعادَ المنفيين وأطلقَ سراح المعتقلين وفتحَ بيته للمنبوذين، وأخطأ حين راودته بقوة فكرة “الشراكة” لخلق بوتقة وطنية متكاتفة ومتماسكة تكون “ضمانة” للبنان في وجهِ كلّ من يريد أن يبدّلَ هويته وحيثيته وموقعه الجغرافي والديموغرافي والسياسي.
راهنوا على أخطائه
عندما ورثَ سعد الحريري عباءَة زعامة لبنان السياسية والسنّية، أدركَ أنه في مهمّة لايُحسد عليها، ويتمثل التحدّي الأول الذي واجهه في عكس عملية التماهي والتعبئة على أساس مذهبي، فأخطأ التقدير، وظنّ أن بوسعه أن يبث “الروح الوطنية” من خلال حكومة الوحدة الوطنية الأولى التي شكّلها، فاسقطوا حكومته عن سبق تصورٍ وتصميم، وأخطأ حين اعتقدَ أن باستطاعته مسحَ “خطوط التماس” الطائفية والمذهبية التي تفرض هيمنتها على لبنان، وأخطأ حين رفض “الفتنة” بكلّ أشكالها، متمسكًا بـ “الاعتدال” الهوية الحقيقية والقوية له ولأنصاره ولجمهوره، على أن الاعتدال الطريق نحو الدولة.
أخطأ سعد الحريري حين أدركَ أن مواجهة الصعوبات الخارجية والداخلية تحتاج إلى “ساحة مستقرة” ليست عرضة للتحوّلات والمتغيرات، عضّ على جرحه “داخليًا” فقام بـ “ربط النزاع” مع حزب الله، وتعالى عن وجعهِ لأنّه يدرك أن “دمشق” ضرورة رَغمَ ما ينطوي على ذلك من مخاطر، مؤمنًا برسالة “الرفيق الشهيد، “لبنان لا يُحكم ضد سوريا كما أنه لا يُحكم من سوريا”، أخطأ حين آمن بإقامة “علاقات متوازنة” مع الشقيقة الجارة بالرغم من العقبات الهائلة التي تعترض تنفيذ هذا.
أخطأ سعد الحريري حين دافعَ بكلّ قوته عن “المناصفة” وعن شعار أبيه “المسيحي المعتدل أقرب إليّ من المسلم المتطرف”، وأخطأ حين تمسّك بـ “الطائف” العقد الاجتماعي والسياسي الأفضل لهذا البلد منذ نشأته في الـ 1920، وأخطأ حين أراد أن يبقى لبنان من ضمن “محور الاعتدال العربي” الذي يمثله بعيدًا عن المحاور المتطرفة من هنا وهناك، لأن في ذلك “الدرع” الذي يحمي لبنان من العدو المتربص به على حدوده الجنوبية .
التعليق .. تعليق الأخطاء
لم يكن “تعليق” الحريري لعمله السياسي التقليدي في 24 كانون الثاني 2022 هروبًا إلى الأمام، بل لأنه اكتشف وعن يقين عدم وجود “شريك وطني” يستطيع تحمل أوزار “الأخطاء” التي تحمّلها لأجل لبنان على مدى عقد ونصف، فالجميع “متقوقع” داخل طائفته وداخل مناطقه وداخل أيديولوجياته المقفلة، وهذه القوقعة لا تتناسب مع مفهوم “الوطنية الفاخرة” التي استقاها من أبيه، لم يترك “الجمل بما حمل” كما يعتقد البعض، بل أراد أن يقول بالصوت العالي، لكم أخطائكم ولي أخطائي، أخطاؤكم لأجل أحزابكم وشريحة الجمهور التي تؤيدكم، وأخطائي لأجل لبنان .
لم يعلّق الحريري عمله السياسي، بل علّق جملة الأخطاء التي ارتكبها لأجل لبنان، خلت الساحة من “سعد” وسرعان ما ظهر زيف الادعاءات وهشاشة الاتهامات وسطحية الشعارات، وها هم الآن يتخبطون مرتبكون عاجزون عن أخذ زمام المبادرة، لأنّ من كان مستعدًا للبذلِ والعطاءِ والتضحية خرجَ من موقعهِ في منتصفِ الدائرة، فإذ بهم كلٌّ خلف متاريسه، وأصابعهم على الزناد ..
أخطأ سعد الحريري كثيرًا .. ويا ليتهم أخطأوا كما أخطأ ..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top