بيبسي وهدهد..في الطريق إلى قبرص!

بقلم جوزاف وهبه

تعجّ “الطريق إلى القدس” بالكثير من الشهداء، من كلّ الأعمار والمراتب العسكريّة، ومختلف القرى والبلدات الجنوبية، كأنّ مقتلة الحسن والحسين لا تزال مستمرّة، وكأنّ الإيمان الشيعيّ الكلّي لا يكتمل إلّا بمزيد من الدم المراق، بمزيد من الشباب الأضاحي بعمر الورد، وبما يحلو للأمين العام حسن نصرالله أن يسمّيه “الصبر الجميل”، مردّداً هذه العبارة – بفرح عظيم – عند كلّ ذكرى ومناسبة وخطبة تأبين لهذا القائد أو ذلك العنصر المقاوم، وآخرهم مسؤول فرقة النصر سامي طالب عبدالله (أبو طالب)!..

قديماً قيل “كلّ الدروب عالطاحون”. وقبل حوالي النصف قرن، قيل “طريق القدس تمرّ من جونيه”، ثمّ قيل “تمرّ من القصير ومن مقام السيّدة زينب في قلب الشام”. وها نحن اليوم لمكتشفون، على لسان الأمين العام نفسه، درباً جديدة ربّما هي الأقرب، وتمرّ من قبرص..إلّا إذا ما أراد من خلال حديثه الإشكالي المستجد، والذي جاء على شكل وعيد وتهديد لدولة قبرص غير مبالٍ بمصالح لبنان واللبنانيين، أن يدغدغ مشاعر وعواطف حلفائه في الحزب القومي السوري الذين طالما حنّوا إلى ضمّ “نجمة الهلال الخصيب”!..

التهمة ضدّ الجزيرة القريبة، التيّ شكّلت وتشكّل ملاذاً لآلاف اللبنانيين الذين سُدّت في وجوههم السبُل من الجنوب (إسرائيل) والشمال (سوريّا)، جاهزة:توفير الدعم من مطاري ليماسول ولارنكا لطيران العدوّ الإسرائيلي في حال الحرب مع لبنان..وهي تهمة موثّقة بفضل “الهدهد” الذي غطّ فوق حيفا، ومن السهل عليه أن يطير فوق تلك الجزيرة القريبة التي لا تبعد أكثر من 150 كيلومتر عن شواطئنا، والتي يمكن أن تطالها بسهولة ترسانة الصواريخ من أنواع ألماس وفلق 1 وفلق 2 وشاهين 1 وتايب 81..ولا يحقّ لأيّ منّا (حكومة أو معارضة أو شعباً) أن يناقش في ما ادّعاه “السيّد”، فهو العليم في كلّ غيب، وفي كلّ شاردة وواردة.ألم يقل يوماً أنّه يعرف في أحوال مرفأ حيفا أكثر ممّا يعرف ما في مرفأ بيروت من أمونيوم ومواد متفجّرة، ولو أدّت إلى مئات الشهداء من الناس تحت سقوف بيوتهم، وإلى تدمير ما يقارب نصف مباني العاصمة بيروت!..

وحتّى يكتمل المشهد الهستيري، كان لا بدّ من إهراق “دم البيبسي”:شباب ومشايخ يتباهون أمام كاميرات هواتف الخليوي (للأسف غربيّة الصنع، وعلى الأرجح بمشاركة مصالح رجال أعمال إسرائيليين) بفتح زجاجات البيبسي ورميها في البحر أو فوق التراب، وذلك “نصرة لأهالي غزّة” الذين يتضوّرون جوعاً وعطشاً، موزّعين أفلامهم القصيرة على شبكات التواصل، متجاهلين قصداً أو عن غباء (وعلى الأرجح غباء مطبق) أنّ جميع وسائل التواصل هذه، إنّما قد صُنعت بفضل الشيطان الأكبر والكيان الصهيوني..والأجدى بمَن يريد أن يقاطع، أن يبدأ بهذه الهواتف والشبكات، وليس بقنينة أو شاحنة كولا لا تقدّم ولا تؤخّر في المشهد السياسي – العسكري الدائر من رفح (آخر معقل لحماس) إلى عيتا الشعب والبرغليّة وعيترون في الجنوب اللبناني!..

بين “الهدهد” و”قبرص” وشاحنات البيبسي، نكاد نغرق في متاهة جديدة من التخلّف والإنتصارات الوهميّة، كأنّنا لم نتعلّم حرفاً واحداً من سيرة التاريخ القريب والبعيد..كأنّنا شعوب كُتب عليها أن تستعيد الماضي مشوّهاً:كنّا نلعن الغرب، ندوس أعلامه ونحرقها باحتفاليّة كبرى دونما فائدة..وها نحن اليوم، نلعن قبرص بين رفرفة هدهد من هنا، وصندوق عصير مُراق من هناك، دونما فائدة أيضاً!..

تُرى، أما آن لنا أن نخرج من أوراق التاريخ السحيق، أو أقلّه أن نطلّ برؤوسنا من حفرة العبث المجاني بمستلزمات الحاضر وشروط المستقبل؟

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top