بقلم خالد صالح
تقولُ الرواية أن أبًا لديه ثلاثة أولاد أطلقَ عليهم الاسم نفسه “علي”، وهو على فراش الموت قال وصيته “علي يرث وعلي يرث وعلي لايرث”، وبعد وفاته احتار الأخوة الثلاثة في أمر الوصية فما كان منهم إلا أن قصدوا أحد القضاة للحكم في تفاصيلها لتنفيذها كما ينبغي .
بعدما استمع القاضي للأخوة معًا، طلب أن يستمع منهم كلٌ على حدى، فقال للأول يجب علينا أن ننبش قبر أبيك لنأخذ بصمته على الوصية فتنال النصيب الأكبر منها، فاستشاط الولد غضًبا من هذا الاقتراح ورفضه بشكل فوري معتبرًا أن في هذا العمل إساءة كبيرة لوالده الراحل والتعرض للاحترام العظيم الذي ناله .
ثم اجتمع القاضي بالإبن الثاني وعرض عليه الأمر نفسه، فكان جواب الثاني مطابقًا لجواب أخيه، ورفض التعرض لكرامة والده المتوفي بهذه الصورة الدنيئة ..
ثم عرض الأمر على الابن الثالث الذي أعجبته الفكرة فورًا، بل أضاف عليها بأنه على استعداد لنبش قبر أبيه وقطع اصبعه إن تطلّب هذا لنيل “البصمة” على الوصية ونيله النصيب الأكبر منها ..
جمع القاضي الأخوة الثلاثة، ونطق بالحكم، فأشار للابن الأول وقال “علي يرث” لأنه حريص على كرامة أبيه، ثم التفت للابن الثاني وقال “علي يرث” لانه خاف على سمعة أبيه من هذا الفعل، وتوجّه للابن الثالث وقال “علي لايرث”، لأنه قدّم المال والميراث على كرامة أبيه وسمعته، ولا مانع لديه من نبش القبر لبلوغ مراده وهذا يدل أنه ليس بولده، لذلك “لايرث” ..
“سعد” يرث
منذ الاستقالة الشهيرة للرئيس سعد الحريري من الرياض سنة ٢٠١٧ بدأ الطامحون إلى شطب “معادلة السعد” من السياسة اللبنانية التداول باسم “بهاء الحريري” لحمل راية الحريرية الوطنية وطرح اسمه لتولي رئاسة الحكومة، هذا الطرح الذي قوبل بالرفض، ليس من جمهور سعد الحريري فحسب، بل من غالبية الوجوه السنية” التي رفضت أن تكون “قطيع أغنام” يؤتى بـ “المرياع” لها، فالزعامة في لبنان وتحديدًا “الزعامة السنية” تُكتسب لا تُفرض وفقًا لحسابات الآخرين، هذه الزعامة التي جُيّرت لـ “سعد” ليس لأنه ابن “رفيق الحريري” فقط، بل لأنه كان أمينًا على هذه الراية، في الوقت الذي غاب بهاء عن المشهد من بابه إلى محرابه ..
“سعد يرث” لأنه حافظ على بياض كفّيه كما أبيه من لوثة الدماء، ورفع راية “لبنان أولا” وعايش الناس عن قرب، لم يتركهم في أصعب الظروف، مدّ يده إليهم في شؤون حياتهم كما كان يفعل أبيه، دفع من صحته وجهده وحياته العائلية وثروته لأجل استكمال المسيرة في بناء لبنان، وليس بالإمكان شطبه بـ “شحطة قلم” داخلية أو إقليمية ..
“سعد يرث”، لأن شريحة واسعة من اللبنانيين عمومًا ومن الطائفة السنية خصوصًا، استفاقت على نبأ الاغتيال المجرم ورأت بأم العين هذا “الشاب” يشمّر عن ساعديه ويفتح صدره لتلقف كل المحاولات الهادفة إلى ضرب البلد، تصدّى بكل جرأة لمشاريع الفتنة التي كانت تطل برأسها من كل حدب وصوب، داخليًا وإقليميًا ودوليًا، وظل يحاول ويحاول، لأن إيمانه هو استمرار لإيمان أبيه .. ولأن الوراثة بالأفعال لا بالأقوال ..
بهاء لايرث
ليس كافيًا أن تحمل اسم “رفيق الحريري” في اسمك الثلاثي لتتصدر المشهد او لتكون زعيمًا، فمن يحمل هذا الاسم العظيم عليه ترجمة هذا الإمتداد معتمدًا على نهج الرفيق، وليس كافيًا أن تكون منتميًا إلى عائلة “رفيق الحريري” كي تكتسب “الزعامة” وفي ذلك أمثلة كثيرة ..
“بهاء لايرث”، لأنه غاب عن وطنه وكرّس جهوده لأعماله فقط، ولم يكن لبنان يعنيه لا من قريب أو بعيد، وفجأة أطلّ برأسه أو أرادوا له أن يطلّ كما اعتقدوا على “أطلال سعد”، فلم تنفع “سوا” ولن ينفع “المسار”، لان البلد له “مستقبل” واحد وزعيم واحد ..
“بهاء لايرث”، فليس هكذا تورد الإبل، واللبناني بطبعه صاحب ثقافة سياسية وله حيثيات تؤسسها المواقف وتثبتها الأزمات، وهذه الأمور لم يعرفها إلا مع “سعد”، بينما “بهاء” كان في وادٍ والسياسة برمتها في وادٍ آخر، وعلى قاعدة “الله يطعمك الحج والناس راجعة”، فـ “الزعامة” تمّ تطويبها على مدى عقدين من الزمن لمن سلك درب “جلجلة أبيه”، وسيُرد “بهاء” على عقبيه كما حصل في الـ 2017 و الـ 2020 و الـ 2022، فقد اختار ولوج السياسة من الباب الضيّق، وسيخرج من الباب عينه ..
سقوط المشاريع بالجملة
يكفي أن تنظر لمن “يهلل ويطبل” لزيارة بهاء الحريري إلى لبنان لتقرأ مضمون الكتاب قبل أن تتصفحه، هنا “الغاية تبرر الوسيلة” والغاية القصوى لهم هي إحداث المزيد من الشرخ في الشارع السنّي، بعدما باءت بالفشل الكبير محاولات استحداث “زعامة سنية” تحمل نزعة الولاء لمشاريع بعيدة عن الاعتدال، سقطت “المنتديات” لأن ما بني على باطل فهو باطل، لم تخرج حركة “سوا” كحركة فاعلة فماتت في مهدها، ولم تحقق الـ SBI النجاح المتوقع فأصبحت منصة أقل من عادية ..
اليوم يطل علينا “بهاء الحريري” بمشروع جديد يحمل اسم “تيار المسار”، وعلى قاعدة تعددت الأسماء والمصير واحد، سيسقط ويحصد فشلًا ذريعًا ككل المشاريع التي سبقت، ليس لأن هذه الأفكار لا قيمة لها، بل لأن نواياها مكشوفة، سواء من بهاء شخصيًا أو من الذين يدفعون بهاء لهذا “المسار”، فالغاية الحقيقية ليست في استكمال نهج “الرفيق الشهيد” كما يذاع، بل الغاية هي في “وراثة” سعد الحريري، ووراثة قاعدته وجمهوره، الذي كان “عصيًا” ومازال على هذه المحاولات، من هنا فإن بهاء “لن يرث” .. ولن “قاطعة” ..