بقلم جوزاف وهبه

دون أدنى شكّ، لقد لاقت إجراءات الجيش في إزالة المخالفات والتعدّيات على الأملاك العامة وعقارات دار الأوقاف الإسلامية والبلدية في طرابلس “إرتياحاً كبيراً” تشوبه بعض التساؤلات المشروعة، ولو لم يظهر هذا الإرتياح إلى العلن، كما يجب، وخاصّة من قبل رجالات السياسة والنوّاب الذين فضّلوا الصمت والحياد، كلّ وفق موقعه أو حساباته:
الرئيس نجيب ميقاتي لا يستطيع أن يتبنّى هذه الإجراءات بشكل صريح ومباشر، لأنّ ذلك يحتّم عليه إيجاد البديل، كرئيس للحكومة، لمَن قُطعت أرزاقهم.وهذا ما لا يستطيع تحمّل أعبائه وتبعاته كفرد أو كحكومة.
وزير الداخلية بسام مولوي يفضّل النأي بنفسه عن نتائج ما جرى، ربطاً بطموحه المعروف الى رئاسة الحكومة المقبلة، وحتّى لا يظهر فقط من خلال “وجهه العسكري” في العلاقة مع مدينته وشؤونها الكثيرة.
النوّاب، كعادتهم، يقدّمون الأصوات الإنتخابيّة على ما عداها، خاصّة وأنّ الإجراءات طالت وتطال فئة “الشبّيحة” وهم قد باتوا مفاتيح إنتخابية مؤثّرة.كما طالت فئات شعبيّة طالما تعاطت مع النائب (أو المرشّح) كمصدر للإنتفاع والإسترزاق، ليس إلّا!
بعيداً عن هؤلاء، كانت الفرحة عارمة وسط أهل المدينة.فالقبضايات الجدد قد تحوّلوا، بفعل سلبطتهم على الأملاك العامة وتأجيرها لسوريين وغير سوريين، إلى خطر داهم على الأعمال التجارية في الأسواق، حيث باشروا في توسيع هيمنتهم من عربات الخضار والبسطات إلى “خلوّ المحلّات” في سوق القمح وغيره، فارضين على المستأجرين القدامى واحداً من الخيارين:أمّا ترك المحلّ لقاء مبلغ زهيد هم يحدّدون قيمته..وأمّا البقاء شرط دفع مبلغ كبير ثمن أسهم إستحصلوا عليها من المالك الأصيل بسعر محروق، كما يقال.وقد تترجمت هذه الأحوال إلى صراعات بين أصحاب النفوذ الجدد نتيجة رغبة كلّ واحد منهم في أن يوسّع دائرة نشاطاته ما يجعله يصطدم مع منافسيه المفترضين.وعن كلّ ذلك نتجت حوادث أمنية واشتباكات شبه يومية بين المجموعات والعائلات المسلّحة (باب الرمل والحارة البرّانية..) ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى وإلحاق أضرار واسعة بممتلكات المواطنين، وحولّ ليل طرابلس إلى أزيز رصاص ورمي قنابل لا ينتهي!
ولكن، مع التهليل والتبريك بالإجراءات، لا بدّ من بعض التساؤلات العميقة، تحت عنوان:لماذا قامت هذه الحملة..وفي أيّ حساب تصبّ، وهل من “مصالح خفيّة” يمكن أن تظهر تباعاً؟
-العملية محصورة مبدئيّاً بمؤسّسة الجيش، بما يعني أنّ القرار صادر عن القائد جوزيف عون، وفي نتائجها الخسارة والربح من رصيده، تماماً كما أنّ الحملة لضبط النزوح السوري في لبنان إنّما باتت تُحسب في رصيد المدير العام للأمن العام الياس البيسري:هل هي مصادفة أن يكون “الرجلان” مرشّحين جدّيين لرئاسة الجمهورية؟
-هل تُستكمل الحملة لتطال “مافيا المولّدات” وهم لا يقلّون سلبطةً وأذىً للمدينة والناس، عن باقي الشبّيحة وقبضايات الأحياء؟ فقد صارت لهم “مليشيات صغيرة” تتقاتل من وقت لآخر، وهم يخالفون علناً كلّ قرارات وزارة الإقتصاد والمحافظ رمزي نهرا الذي يتلكّأ في تنفيذ تركيب العدّادات والإلتزام بالتسعيرة الرسمية المعمول بها في الكثير من المدن والبلدات والقرى!
-هل هناك مصالح تجاريّة لشركات يمكن لها أن تطلّ برأسها في القريب العاجل، وقد بدأ التداول في حديث عن عودة “البارك ميتر” إلى شوارع المدينة، وهذا ما يستدعي تقليم أظافر المتسلّطين على الأرصفة ومواقف السيّارات حتّى تتمكّن الشركة أن تعمل وتحقّق الأرباح؟
في مطلق الأحوال، ما جرى قد أعاد إلى طرابلس بعض السكينة والإطمئنان والصورة البهيّة..وتبقى العيون شاخصة إلى أصحاب المولّدات علّهم يرتدعون بالحُسنى، هم الذين جنوا أرباحاً خياليّة على مدى أكثر من عقدين من الزمن!

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top