جريمة “أهل البيت”!

بقلم جوزاف وهبه

وزير الإعلام (وهو اليوم زياد مكاري في حكومة تصريف الأعمال)، ونقيب المحرّرين (وهو حاليّاً جوزيف قصيفي في نهاية دورته الثانية، ساعياً إلى تعديل القوانين المرعيّة طمعاً بولاية ثالثة لا تجيزها قوانين النقابة المعمول بها..)، هما – من حيث المبدأ والأصول – من “أهل البيت” الإعلامي، أي يفترض أنّهم من الضنينين على حرّية الصحافة وحرّية الكلمة، ومن الضنينين على كرامات الإعلاميين وحقّهم المطلق في النقد والتعبير، بعيداً عن “مقصّ الرقابة” وعن شبه المحاكم العرفيّة التي تتمثّل في إحالتهم على المحاكم الجزائيّة خلافاً لقانون المطبوعات الذي يفرض الإحالة على “محكمة المطبوعات”، والتي أنشئت في لبنان وحده (دون الدول العربية الأخرى) بفضل نضال سياسي – نقابي مديد وشاق..فما الذي جرى ويجري راهناً في كواليس كلّ من وزارة مكاري ونقابة القصيفي، وصولاً إلى أقبية لجنة الإعلام في المجلس النيابي؟.. تسرّب الخبر، وما جاء في بيان النقابة لا يشفي الغليل ولا ينفي نفياً قاطعاً ما قيل بأنّه ثمّة مشروع قانون مشترك تمّت صياغة بنوده بين الوزير مكاري والنقيب قصيفي يقضي بإلغاء محكمة المطبوعات، وبالتالي إحالة أيّ شكوى قدح وذمّ يتقدّم بها سياسي بحقّ صحافي إلى القضاء الجزائي، حيث “لا ثقة” بالتحقيقات وحيث الغلبة هي للسياسي على الصحافي، أكان هذا الأخير على صواب في مقالته أو لم يكن. المشروع، إذا صحّ الخبر، يشكّل جريمة موصوفة بحقّ الإعلام الحر والإعلاميين، وهو يعني التحوّل التدريجي إلى عتمة الأنظمة البوليسية السائدة في هذا المشرق الحزين..والسؤال:ما هي مصلحة الرجلين في هذا التحوّل الدراماتيكي؟مصلحة “النقيب” ظاهرة لا لُبس فيها:تعديل القوانين في سبيل ولاية ثالثة. وقد أعدّ العُدّة لذلك من خلال حملة تنسيب عشوائيّة إلى نقابة المحررين التي باتت تتحوّل تدريجيّاً إلى “شبه مزرعة” تأتمر فيها الأكثرية المنسّبة بسلطة النقيب ومَن يقف وراءه في وزارة الإعلام من جهة، وفي السلطة السياسية الباحثة عن “إعلام مدجّن” أو مهدّد من جهة ثانية!أمّا مع الوزير مكاري، فالأمور تتعقّد والأسئلة تتناسل كونه يمثّل في الحكومة جهّة سياسية تسعى إلى إيصال مرشّحها (رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية) إلى سدّة الرئاسة الأولى في قصر بعبدا:فهل هي “فاتورة” تسدّد سلفاً في حساب داعميه إلى رئاسة الجمهورية الذين لهم “بصمات سوداء” في عالم الصحافة والصحافيين، حيث تواجَه الكلمة الصادقة بالتهويل والتهديد أو بطلقة قاتلة (متى اضطرّ الأمر)، والشواهد على ذلك لا تعدّ ولا تحصى في المديين البعيد والقريب؟وهل صحيح أنّ الوزير (حامل لواء الإعلام) قد أعلن في أحد مجالسه، أنّه لا وجود لهذا النوع من المحاكم في أيّ دولة عربيّة، فلماذا تكون هناك في لبنان “محكمة مطبوعات”، متجاهلاً أنّ العصر والحداثة يفترضان إلغاء القيود لا زيادتها، وأنّ لبنان عليه أن يكون قدوة للدول المحيطة به على صعيد الحرّيات العامة والخاصة، وعلى صعيد ضرورة تفلّت الإعلام من كلّ الحواجز والضوابط، وليس عليه (أي لبنان) أن يتماثل مع تلك الأنظمة والدول في كبت الحريات، وفي خنق الرأي الآخر؟”طبخة” الوزير والنقيب، إن صحّت، خطيرة وخطيرة جدّاً، وتستدعي رفع الصوت من كلّ أهل الصحافة والإعلام، ومن الجمعيّات والنقابات والنوادي، لأنّ “كسر قلم” الصحافة، إذا ما حصل، لن يُبقي قائمة تقوم لأهل الرأي والكتّاب والناشطين في الشأن العام!

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top