في ذكرى ثورة 23 يوليو .. لقد خسرنا ثورتين !!

بقلم خالد صالح

*ربّما تُعتبر ثورة 23 يوليو 1952 من أكثر اللحظات الحاسمة في تاريخنا العربي المعاصر عمومًا وتاريخ مصر خصوصًا، فهي لم تكن مجرّد “حدث سياسي” مستجد، بل كانت حلمًا لأمة تسعى للتغيير والعدالة والتحرر، وبالرغم من أن مسارها كان مليئًا بالتحدّيات الداخلية والخارجية والانجازات والإخفاقات، فإن إرث هذه الثورة يظل محفورًا في الذاكرة ..اليوم و “الوطن العربي” يعيش “مخاضات” قاسية على جميع الصعد، علينا ألا ننسى الدروس المستفادة من الماضي، وعلينا أن نتعلّم كيف نستخدمها لبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، مستندين إلى الحقائق والوقائع لتحقيق الأهداف الحقيقية التي قامت من أجلها ثورة 23 يوليو، مصر تستحق الأفضل، و “الوطن العربي” يستحق أيضًا ..*ثورة لأجل النظام*كلّما أظلّتنا ذكرى ثورة يوليو، وضعنا على “مشرحة” التحليل والنقاش تفاصيلها وإيجابياتها وسلبياتها، مستذكرين السياسات السلبية التي كنا نعاني منها ولانزال حتى يومنا الحالي، محاولين أن نبحث عن قواسم مشتركة بينها وبين ما يعرف بـ “الربيع العربي”، الذي بدأ نظريًا من لبنان في الـ 2005 والتي عُرفت بـ “ثورة الاستقلال”، وفعليًا مطلع العام 2011 من تونس، وبقية الأحداث معروفة وليس من الضرورة سردها، لكن لاشكّ أبدًا أن “ثورة يوليو” كانت مصدر إلهام للكثيرين، لكسر قيود الاستغلال السياسي الذي يقيّدنا كـ “شعوب” ويقف حائلًا أمام رقي مجتمعاتنا وتطورها .إن قيام أي ثورة في أي مكان يهدف إلى تغيير جذري في أنماط السلطة القائمة، وتحقيق العدالة وإرساء مفاهيمها، ونشر ثقافة المساواة بين فئات الشعب تحت مظلة القانون، لكن !! في عصرنا الحالي كانت الثورات تحيدُ عن أهدافها وينحرف رجالاتها عن الأهداف الموضوعة التي أعلنوها للمواطنين، وجعلوهم يحلمون بمستقبل عامر بالحرية، فإذ بهم يستيقظون على لعنة أخرى من “الاستبداد” لاتزال تلاحقهم حتى اليوم .”يا ناصر .. إعمل نظام، مش ح تحكم مصر من قبرك”، بهذه العبارة خاطب السادات جمال عبد الناصر بعد عدوان 1956، وكم هي بليغة هذه العبارة، فالثورة تتطلع أولًا إلى التخلّص من الاستعمار أو النظام الذي يحكم ويُفسد في الأرض، ويتحكّم بخيرات البلاد ويتحكّم برقاب العباد، وعندما تنحرف الثورة عن مسارها وتبتعد عن جوهرها الحقيقي، ويتسلل حبّ السلطة إلى نفوس رجالاتها، ستبدأ مسيرة الوقوع في الأخطاء، التي تتحوّل “كارثية” وتجرف الوطن بسرعة نحو القاع .*بين ثورتين*من الأمور الطبيعية أن يختلف الناس حول الوقائع التاريخية وقيام الثورات، ومردّ هذه الاختلافات إلى تناقض أيديولوجي بين الناس، أو بالنظر إلى بعض المصالح التي أصابها الضرر وطاول بعض الفئات من المجتمع، ومن الطبيعي أن يكون لثورة مثل “ثورة يوليو” إيجابيات وسلبيات، والحكم عليها لايجب أن يكون بمعايير اليوم، لأنها قامت في ظروف مغايرة لما نعيشه اليوم، وهذا ما شهدناه في لبنان، إذ لا يمكن بأي شكل من الأشكال المقارنة بين “ثورة الاستقلال 2005” و “ثورة 17 تشرين 2019” .فإن كانت “ثورة الاستقلال” قد قامت إثر جريمة العصر واغتيال الرئيس الشهيد “رفيق الحريري”، وأدّت إلى كتابة النهاية لـ “الوصاية السورية” على لبنان سياسيًا وأمنيا، بعد ثلاثة عقود من الهيمنة شبه الكاملة، فإن “ثورة 17 تشرين” قامت بعدما استشرى الفساد في شرايين الدولة، وبلغ العجز السياسي والظلم الاجتماعي مبلغًا كبيرًا، وهيمن الاستبداد على حياة الناس ولقمة عيشهم، وفي “الثورتين” أضاع القائمون عليهما “البوصلة”، ولم تحققا ما يمكن الاعتماد عليه لبناء “وطن ودولة” . فقد رسّخ هؤلاء نزعاتهم نحو الكرسي والمنصب، واستغلّوا الناس وأوجاعهم للوصول إلى غاياتهم، وبعدما بلغوا مرادهم سيطر عليهم “العناد والتيبس”، فأصيب مفهوم “الثورة” بالخيبة الكبرى، وشعر الناس بـ “الندم” بعدما اكتشفوا أنهم ضحية بعض الفئات التي تسلّقت أعناقهم ثم تخلّوا عنهم، وخير دليل أن “بعض الضرائب” أشعلت لبنان “طولًا وعرضًا”، بينما انهيار البلد بكافة مؤسساته وقطاعاته واقتصاده وعملته الوطنية، ترى الناس “سكارى” وكأن على رؤوسهم الطير .*الثورة فعل إيمان*كل ثورة عبر التاريخ كانت تهدف إلى التغيير في النظام، أسلوبًا ومضمونًا، وعندما تتحوّل إلى “مطيّة” تفقد قيمتها والاندفاع نحو هذا الخيار، فالانسان هو “المحرّك” لأي ثورة، حياته ومعيشته ولقمة عيشه، هذا ما أخبرنا به التاريخ وجعلنا على عتبة استشراف ما يحمل إلينا المستقبل، فإن لم تكن “الثورة” فعل إيمان بأنها الوسيلة المثلى للتغيير والتقدم خطوات نحو التطور والانماء والحياة الكريمة، فهي ثورة “غايات” و “مصالح آنية” سرعان ما ستسقط عنها أوراق التوت وتظهر عيوبها .في ذكرى “ثورة يوليو” نتطلع إلى “فعل إيمان” لكسر الاستبداد السياسي المهيمن على البلاد، والنأي به عن “شخصنة” أي تحرّك تحت أي مسمّى، كي يستعيد الناس “ثقتهم” بهذا الفعل، فالثورة حق والانتفاضة على الظلم حق ومحاسبة المقصّرين بحق الوطن حق، والحق الأكبر أن نثور لأجل “وطن”..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: