الجماعة الإسلاميّة..بالمجّان!

بقلم جوزاف وهبه

ماذا يعني أن يستشهد القيادي في الجماعة الإسلاميّة محمد حامد جبارة (أبو محمود جبارة) في بلدة غزّة عند أطراف البقاع الغربي، بواسطة مسيّرة معادية أصابت سيّارته فأحرقتها، وأصابت منه مقتلاً؟ ماذا يعني أن تتنطّح قوّات الفجر (الجناح العسكري للجماعة) إلى المشاركة في حرب ضروس، لم تحدّد (ولا حتّى في إبداء الرأي) هي بداياتها ولا أهدافها ولا عناوينها، وبالتأكيد لا نهاياتها ولا شروط ومواعيد توقّفها؟ والسؤال/الأصل:ماذا يعني أن يشارك حزب الله اللبناني (كما يفترض) في حرب أطلقتها حركة حماس في سياق حسابات ومصالح فلسطينيّة بحتة، ولا بدّ أن ترتسم خواتيمها وفق مصالح إيرانيّة عليا، ووفق ترتيبات دوليّة تقودها الولايات المتّحدة الأميركية، في سياق موازين عالميّة خارجيّة متقلّبة من جهّة، وسباقات إنتخابيّة محتدمة في الداخل من جهّة أخرى؟..وإذا كان الحزب، صاحب اليد الطولى في نوعيّة السلاح والصواريخ والمسيّرات وفي الخبرة الأمنيّة المتطوّرة، يقف عاجزاً أمام عمليّات الإغتيال اليوميّة التي تطال خيرة قادته وكوادره من نخبة فرقة الرضوان (وآخرهم القائد علي جعفر معتوق – حبيب معتوق – من صير الغربيّة، ليبلغ عدد شهدائه حوالي 350 مقاتلاً)، فكيف الحال مع تنظيم الجماعة الذي لا يملك السلاح (إلّا ما يسمح به حزب الله)، ولا يملك الخبرة الكافية (كلّنا ثقة أنّ صواريخ الكاتيوشا التي تدّعي قوّات الفجر إطلاقها صوب الكيان الصهيوني، إنّما تتمّ بإشراف وإخراج ورعاية المقاومة الإسلاميّة)، ولا يملك المعلومات الإستخباراتية والأمنية الكافية لحماية حركة قادته، ما يجعلهم هدفاً سهلاً (وسهلاً جدّاً) للطيران الإسرائيلي المسيّر؟..قد يكون الرباط العقائدي (الإخوان المسلمون) مع حركتي حماس والجهاد هو أحد التبريرات لانغماس الجماعة في قتال، هم الخاسرون فيه بالتأكيد..ولكن هل هذا يكفي، وهل يأتي هذا القتال ثماره المرجوّة في شدّ أزر غزّة التي باتت منطقة مفتوحة مدمّرة منكوبة تشبه نكبتي هيروشيما وباقي مدن الحرب العالميّة الثانية؟ هل يردّ موت عناصر الجماعة الإسلامية ولو قليلاً من وحشيّة العدو الإسرائيلي الذي يستبيح غزّة بشراً وحجراً، نساءً وأطفالاً ورجالاً، على مدار الساعة والأيّام والأشهر؟ هل هم يصدّقون أنّ “حرب الإسناد”، التي باسمها أعلن الأمين العام للحزب حسن نصرالله دخول الجنوب ولبنان في أتون القتل والموت والخراب، تصبّ فعليّاً في خدمة مصالح الشعب الفلسطيني، أم في خدمة الحسابات الإيرانيّة الساعية إلى الجلوس على طاولة المفاوضات مع الشيطان الأكبر (وباقي شياطين هذا الكوكب) عندما يحين وقت القسمة وتوزّع النفوذ بين اللاعبين الكبار؟..ربّما تكون للجماعة الإسلاميّة حسابات أخرى تقوم على ما يلي:ندفع الثمن ولو غالياً في الحرب، علّنا نكسب وقت السلم في الداخل اللبناني..ماذا يمكن لقيادة الجماعة التي ذهب أمينها العام الشيخ محمد طقوش إلى قلب حارة حريك لمقابلة سيّد المقاومة أن تكسب مقابل “التغطية السنّية” لحرب حزب الله التي تلحق الضرر بلبنان ومصالح شعبه؟تتوهّم الجماعة الإسلامية حول مكسبين مفترضين:-الأوّل، أنّ الحزب الذي سيخرج منتصراً من الحرب الدائرة سيحفظ لها “الجميل” ويوفّر لها المكاسب في السلطة الجديدة.وقد غاب عن الجماعة أنّ الحزب “براغماتي” (كما هي كلّ السياسة الإيرانيّة) وهو يتعامل مع الواقع المستجدّ، أي مع مَن سيعيد تعمير الجنوب، وهم السعودية والإمارات وقطر، وهؤلاء جميعاً على خلاف عميق مع فكر الإخوان المسلمين:فهل يمكن للحزب أن يُرضي قادة الجماعة ويُغضب أهل الخليج؟-الثاني، أنّ الساحة السنّية في لبنان بلا صاحب، ويمكن للجماعة (من خلال وجدان القضية الفلسطينية) أن تستثمر في الدم المراق..وقد سها أيضاً على بالهم أنّ سنّة لبنان قد ارتضوا بشعار “لبنان أوّلاً”، ولا يستهويهم الإنزلاق إلى تبعيّة لهذا الطرف أو ذاك، مهما كانت عناوين “الوحدة الإسلامية” برّاقة ومثيرة.التضامن مع غزّة وفلسطين شيء، والقتال تحت راية حزب الله شيء مختلف تماماً!..ماذا تفعل الجماعة الإسلامية، ماذا تفعل قوّات الفجر؟ إنّهم، باختصار، يستشهدون بالمجّان..رحم الله الشهداء، وأسكنهم فسيح جنانه، وألهم أهاليهم وأحبّتهم الصبر والسلوان..آمين!

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top