اقتراح “بلال الحشيمي” المسموم .. وما خفي كان أعظم !!

بقلم خالد صالح

ثمة مثل ياباني يقول: “حتى الغبي يملك موهبة”.. وهناك من قال بان الغباء يحمي صاحبه من أن يجن، وقالوا :”الغبي هو الذي ينتظر الشيء الذي لا يأتي أبدًا”، هؤلاء الأغبياء كما قال أحدهم لا يمكن تجاهلهم دائمًا ولكن يمكن العثور على طرق فعّالة للتعامل معهم لأننا لن نكون قادرين على تغيير عقولهم وأنماط تفكيرهم ..وقد رأى البعض أن الغباء في بعض الأحيان يساهم بطريقة او بأخرى في حل بعض المعضلات، ويتجلى ذلك حين يساهم الغبي في حل مصالح الأذكياء، ربما من هذه الزاوية قال الأديب الكبير “تولستوي” إنه “يجب ان نقدر رأي الأغبياء كونهم الأغلبية”، وللرجل رأي آخر يقول “الأغبياء هم الذين يعرفون كيف يدّبرون أمورهم اكثر من غيرهم”..في شأن الغباء والأغبياء هناك كم لا يستهان به من القصص والأمثال والحكم والوقائع، منها “يستطيع الغبي أن يطلب ما يعجز عشرة حكماء عن طلبه”، وفي الوقت نفسه هناك من حذر من هذه الفئة التي لا حدود لسطحيتهم، وهناك من رأى بأن الغبي هو الذي لا يرى عيوبه ولكنه بارع في تسويق نفسه يكفي التمعن في صفحات وحسابات كثير من منصات التواصل الاجتماعي، ومسار الحوارات في بعض البرامج التليفزيونية، مواقف وتصريحات بعض النواب لاسيما الذين يبالغون في تقديرهم لأنفسهم في المقدمة منهم أولئك الذين يظهرون أنفسهم وكأنهم نواب من عصر آخر، نواب يقدمون أنفسهم على أنهم يفقهون بكل صغيرة وكبيرة وكل شاردة وواردة في علم السياسة والقانون ..

*زوبعة غبار متعمّدة*

أثار تقديم النائب بلال الحشيمي قانون “الفرز والضم” “زوبعة غبار” تحت عنوان انشاء محافظة البقاع الغربي وراشيا، وضم البلدات والقرى الواقعة جنوب طريق بيروت – دمشق الدولي إلى المحافظة الجديدة (قب الياس – مكسة – تعنايل ومجدل عنجر) إليها، لأن القانون بشكله بمثابة “السمّ في الدّسم” لأنه يودي إلى افراغ قضاء البقاع الأوسط من “التمثيل السني” الوازن فيه (حوالى 55 ألف ناخب) تمثل البلدات الأربعة ما يقارب نسبة 50% منها، وبالتالي فقدان المكون السني لأيّ تأثير في الانتخابات النيابية المقبلة 2026 ..هذا المشروع ليس وليد “مخيلة” النائب الحشيمي وحده، بل هناك من يعمل ” تحت الطاولة” بدهاءٍ وتخطيط خبيث استعدادًا للمرحلة المقبلة، وحشر “السنة” في بقعة جغرافية ضيّقة ومنعهم من لعب دور المؤثر الفعلي في قضاء زحلة – البقاع الأوسط، وفي حال نجح هذا المخطط ذي الأهداف المستقبلية يكون مستندًا لتقديم قوانين مشابهة لاحقًا، والغاية منها، تمكين “القوات اللبنانية” من الحصول على كتلة نيابية واسعة بمعزل عن الواقع الديموغرافي للدوائر القائمة حاليًا والذي يُشكل عائقًا كبيرًا أمامها .

*استهجان واستغراب*

ربّما لو أتى مشروع القانون في ظروف مغايرة لِمَ نعيشها اليوم، كان من الممكن دراسته وتنقيحه وتقديمه بصورة مثالية نحو تطبيق “اللامركزية الإدارية” المنصوص عنها في اتفاق الطائف، لكن واقع الحال يفرض وضع هذا الاقتراح على “مشرحة الأهداف” من ورائه، فـ “شيطان التفاصيل” يكمن في حيثيات طرحه، وأبعاد هذا المشروع سياسية بامتياز، وهي ليست سياسة النائب الحشيمي، بل سياسة “القوات اللبنانية” التي أوصلت النائب المذكور إلى البرلمان عبر “كسر حاصلها”، وهي تُدرك أن انتخابات العام 2026 وفي حال شارك “تيار المستقبل” فيها كما هو متوقّع، لن تكون نتائجها مشابهة لانتخابات الـ 2022 ..أصداء هذا الاقتراح أثارت استهجانًا واسعًا واستغرابًا أوسع لجملة من الأسباب أهمها:

1- هي المرة الأولى التي يتقدّم فيها نائب من دائرة معينة باقتراح لانشاء محافظة خارج نطاق دائرته الانتخابية .

2- كيف يمكن لنائب أن يعمل على ابعاد أكثر من “نصف ناخبي دائرته” وغالبيتهم العظمى من طائفته التي يمثلها ؟.

3- لم يسبق للمجلس النيابي أن تلقى مثل هذا الاقتراح بضم وفرز قرى وبلدات من محافظة إلى أخرى أو من قضاء إلى آخر.

4- لماذا محاولة تمرير هكذا اقتراح في ظل “المعمعة” الكبرى التي تشهدها المنطقة، والتي طاولت “الطائفة السنية” دون سواها، وكأن وراء الأكمة ما وراءها ؟ .من يقرأ في أبعاد هذا المشروع بدقة يُدرك أن “القوات اللبنانية” بمشاريعها التقسيمية تحاول “تطهير” بعض الدوائر تمهيدًا لبلوغها مرتبة “صاحبة الكلمة الفصل” فيها، سواء بقينا على التقسيم الإداري الحالي، أو ذهبنا إلى تقسيمات إدارية جديدة، وسيكون هذا المشروع في حال تمريره، العصا التي ستستند عليها من أجل تقديم اقتراحات مستقبلية مماثلة لمناطق أخرى .

*أبعاد مستقبلية*

تؤكد مصادر بقاعية متابعة لهذا الاقتراح أنه فعليًا مع العنوان الظاهر له “محافظة البقاع الغربي وراشيا”، لكنه يعارض بقوة فكرة ضم وفرز بلدات من البقاع الأوسط إليها، إذ ما معنى “حشر ما يزيد عن (135000 ناخب) في دائرة واحدة إلا إفساح المجال لفريق سياسي كـ “القوات اللبنانية” بالسيطرة على “البقاع الأوسط”، وربما لاحقًا تقديم اقتراحات بانشاء “محافظة القبيات” و “محافظة دير الأحمر” وربما “محافظة ديرالقمر” و “محافظة مرجعيون”، ومن يطلع على مشاريع “الفدرلة” التي تنادي بها “القوات اللبنانية” سيدرك أنها مشاريع تقسيمية بامتياز .وتؤكد المصادر أنها ستواجه هذه المشاريع وهناك محاولات للدفع بالنائب الحشيمي إلى سحب هذا المشروع من التداول، وعلينا جميعًا العودة إلى اتفاق الطائف وتطبيقه لاسيما بند اللامركزية الادارية وتحديد مفاهيمها وعناوينها لبلوغ مرحلة الانماء المتوازن، بدلًا من التلّهي باقتراح مشاريع تقسيمية تضرب جوهر لبنان القائم على الصيغة الواحدة للعيش المشترك، والتمسك أكثر باللحمة الوطنية، لأنه لامناص لنا غيرها للحفاظ على ديمومة لبنان كـ “وطن” نهائي لجميع أبنائه .في المحصلة .. “القوات اللبنانية” توارت خلف اقتراح الحشيمي كي لا يتم التصويب عليها بالمباشر، وهي وإن نفت عن نفسها أي علاقة بهذا المشروع، لكن بصماتها ظاهرة للعيان في تفاصيله من ألفه إلى يائه، وينطبق عليها المثل اللبناني الشائع “ما شافوكم وقت السرقة، شافوكم وقت تقسيم المسروقات” ..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top