بقلم جوزاف وهبه
لم يرُق لقيادة الحزب السوري القومي الإجتماعي (جناح ربيع بنات على الأرجح، وليس جناح أسعد حردان) أن تذكر وسائل الإعلام إستشهاد الفتى ابراهيم إكرام الموسوي “على طريق فلسطين” (هم لا يكتفون بالطريق إلى القدس، كما لا يرتضون أقلّ من سوريّا الكبرى، بما فيها قبرص نجمة الهلال الخصيب..) على أساس أنّه “الشهيد الأوّل” الذي تزفّه “نسور الزوبعة” على مسافة صفر، كما جاء في البيان المرفق.فالشهيد هو الثاني، بمعنى أنّ الحزب لا يتوانى عن مزاحمة صفوف القوى التي تلبّي نداء حزب الله الذي يحاول أن يغطّي تفرّده بقرار الحرب، بعيداً عن الموقف الرسمي للدولة اللبنانية وبعيداً عن إعتراضات فئات واسعة من الأطراف السياسية والمراجع الروحيّة، بالسماح لبعض الأحزاب (الجماعة الإسلامية، المرابطون، سرايا المقاومة، الحزب القومي..) بالمشاركة المضبوطة الإيقاع فوق أرض الجنوب، بما يخدمهم إعلاميّاً وسياسيّاً، بغضّ النظر عن عدد الشهداء الذين يتساقطون بالمجّان، هنا وهناك، كونهم قليلي الخبرة والحيلة الأمنية والعسكرية:قيادات هذه الأحزاب إنّما يؤدّون دوراً مروعاً يتمثّل في تغطية قرار حرب الإسناد أو المشاغلة بما يفيض من الدم العبثي، وهو دم الشباب المتحمّسين، ليس إلّا!
لقد غاب عن بال قيادة الحزب القومي (تارة يلتحقون بإمرة القيادة السورية، وطوراً بإمرة المقاومة الإسلامية) أنّهم من مؤسّسي جبهة المقاومة الوطنيّة اللبنانية (جمّول)، وأنّهم من أوائل المتصدّين للكيان الصهيوني، وقد دفعوا – مع رفاقهم في الحركة الوطنية – كوكبة من الشهداء، إلى أن تضافرت جهود النظام السوري (نظام الوالد حافظ الأسد والإبن بشّار الأسد) مع جهود حزب الله في استعمال كلّ وسائل الإغتيالات والترهيب ضدّ المقاومين الحقيقيين ممّا أدّى إلى شلّ نشاط “جمّول” واستبدالها القسريّ بالمقاومة الإسلامية.وكما اغتيل كبار القادة الشيوعيين المساهمين في إطلاق شرارة المقاومة (المفكّر حسين مروّة والكاتب سهيل طويلة..والقائمة تطول)، كذلك نُفّذت عملية إغتيال بحقّ عميد الدفاع في الحزب القومي محمد سليم في 3 حزيران 1985، حيث جرت مداهمته وتصفيته في بيته بواسطة 10 مسلّحين، لتبدو العملية كأنّها إنزال إسرائيلي، كما جاء في الرواية المتداولة، فيما الحقيقة تقول أنّ “ثلّة من الرفقاء قد خانت وغدرت بالقائد سليم..”.أمّا الأسباب، فهي معروفة.ولكن لا يضير بشيء أن ننعش ذاكرة مَن يحاول أن يتناسى أو مَن لا يعرف وقائع الحادثة:في 9 نيسان 1985 (أي قبل حوالي الشهرين من عمليّة الإغتيال) نفّذت المناضلة القومية الإجتماعية سناء محيدلي (من مواليد عنقون) عمليّة إنتحارية ضدّ قوّة من الجيش الإسرائيلي، لتتحوّل إلى أوّل شهيدة إنتحاريّة في الصراع المسلّح مع العدو.تمّت العمليّة بسريّة تامّة، بقرار من العميد سليم وقيادة المقاومة الوطنية، ودون إعطاء “علم وخبر” للقيادة السورية، ما استدعى آنذاك غضب اللواء غازي كنعان (الحاكم العرفي)، وما استدعى اتّخاذ القرار بمعاقبة عميد الدفاع (بدل تكريمه..)، وكان ما كان من إغتيال في ليل أسود حالك!
الشهيد “ابراهيم” ليس الأوّل ولا الثاني أو الثالث.هو حبّة لؤلؤ في سلسلة ذهبيّة، مع فارق بسيط ولكن جوهري أنّ الشهداء الرفاق فيما مضى قد سقطوا فعلاً “على درب فلسطين”.أمّا الذين يُسمح لهم اليوم بالإستشهاد (نسور زوبعة أو قوّات فجر أو سرايا..) إنّما هم “بيادق” أبرياء يساهمون (بالتأكيد دون أن يعلموا) في تحسين موقع النظام الإيراني على رقعة الشطرنج الدولية.وحين تصل اللعبة إلى خواتيمها (السعيدة أو غير السعيدة) سيهبّ الأمين العام صاحب الأصبع المرفوع ليصرخ في وجه الشركاء الجدد:”كش ملك..”، ولن يملك هؤلاء سوى الإذعان والإنكفاء عن الساحة..تاركين في الميدان دموع الأمّهات وغصّة الآباء، بانتظار جولة أخرى من جولات لعبة الأمم!