بقلم خالد صالح
شكّلت عملية الاغتيال الآثمة المزدوجة التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية وطهران صدمةً عنيفة بالنظر إلى حجم الشخصيتين المستهدفتين ودورهما على الصعيدين العسكري والسياسي، ومرةً جديدة يلجأ فيها العدو إلى هذا الفعل اعتقادًا منه أنها تُشكل ضربة بالعمق للمحور الذي ينتميان إليه .اعتمد الكيان الصهيوني على سياسة الاغتيالات منذ نشأته وذهبَ إليها في محطّات كثيرة، وهذا الفعل الآثم هو في الحقيقة اعتراف ضمني بأمرين مهمّين : الهزيمة والفشل، بعدما عجز طوال عشرة أشهر من تحقيق أهدافه التي رسمها عقب “طوفان الأقصى”، وهي ليست المرة الأولى التي يذهب فيها بهذا المنحى، بل إن التاريخ يسجل الكثير من عمليات الاغتيال التي فرضتها الظروف على حكومات الكيان لتسجيل انتصار او إنجاز . *حسابات الحزب والحركة*جاءت عملية اغتيال شخصيتين قياديتين من وزن “فؤاد شكر” و “اسماعيل هنية” مع ما يمثلانه من دور عسكري وسياسي، لتفرض حسابات جديدة يواجهها “حزب الله” و”حركة حماس” على السواء في الوقت الراهن، خصوصًا لناحية التعامل مع تطورات المواجهة في قطاع غزة والجنوب ومسار المفاوضات، بالإضافة إلى حسابات “الرد” على هذه الجريمة وحجمه ومكانه وزمانه، وعليهما قراءة الأمور بدقة وتوازن كي لا تخرج الأمور وتذهب بالمنطقة برمتها إلى حدود الحرب الشاملة، وهذا يتطلّب ما يلي:أولًا: إعادة ترتيب الأمور التنظيمية الداخلية وهذا الأمر وإن كان يسيرًا لدى الحزب فإنه معقّد لدي الحركة، فالتراتبية التنظيمية لدى الحزب يجعله بمنأى عن أي “خضة” داخلية، بينما لدى “حماس” تحدّيات أكبر لملء الفراغ الذي خلّفه اغتيال هنية، لأن المشكلة ليست في الاسم بل في الأبعاد الجيوسياسية لمن سيخلفه، في ظل تعقيدات تنظيمية داخلية يطغى عليها الواقع الميداني، لأنه سيكون أمام تحدّيات كبرى، بدءًا بالمفاوضات وصولًا إلى العنوان الواضح للحركة مستقبلًا، البقاء في محور الممانعة أو العودة تدريجيًا إلى الحضن العربي أو الوقوف على مسافة واحدة في المنتصف بين الاثنين .ثانيًا: دراسة “الرد” ومدى تأثيراته وانعكاساته على المرحلة المقبلة، فالقيادي “فؤاد شكر” ليس قياديًا ميدانيًا تقليديًا، بل هو المسؤول العسكري الأبرز في “حزب الله” ودوره الاستراتيجي يُحتّم ردًا بهذا الحجم، أيضًا “هنية” لم يكن سياسيًا تقليديًا بل كان محنكًا وفطنًا لمجريات الأمور، لذلك فإن الرد يفرض تدبيرًا متوازنًا بين “حرية الحركة” لدى الحزب و “محدوديتها” لدى حماس، ولابدّ من تنسيق دقيق في حجم الرد ونتائجه، من دون أن نغفل عن الدور الذي يمكن لـ “طهران” أن تقوم به، خصوصًا أن عملية اغتيال هنية حصلت على أرضها .*ماذا بعد ؟*أثبتت الأحداث عبر التاريخ أن كل عملية اغتيال تضع “نقطة” في آخر السطر، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة، وما قبل اغتيال الشهيدين “شكر وهنية” حتمًا سيختلف عمّا بعده، فما جرى خلال الأيام الماضية يسيلُ حبرُ كثير عليه، لاسيّما بما يتعلّق بمسار المفاوضات، والمراقب بدقة للأحداث يشعر أن اتفاق وقف النار يقترب ويبتعد، والحديث دائمًا يدور حول “اليوم التالي” للحرب، وما يكتنفه من غموض .حتى اللحظة يعتمد العدو الاسرائيلي مبدأ “المراوغة” لعدم حسم الصورة بشكلها النهائي، فهو يرزح تحت وطأة نداء أهالي الأسرى من جهة وعدم تمكنّه من تحقيق أي هدف من جهة أخرى، وربما تكون عملية الاغتيال فرصة لنتنياهو للنزول عن الشجرة والرضوخ لشروط التفاوض، متسلحًا بما تحقق حتى اللحظة وتحديدًا في عملية الاغتيال المزدوجة، لذلك فإن الأمر يتعلّق اليوم بشكل “الرد” وهل سيبقى ضمن قواعد الاشتباك ؟، أم أنه سينتقل إلى خارج مساحة الحرب الجغرافية نحو دائرة أوسع .لكن الأمر الثابت ورغم فداحة الخسارة للحزب والحركة جراء هذه الجريمة، فإن الرهان الاسرائيلي على مزيد من التنازلات ستقدمها “حماس” هو رهان في غير محله، لأن الحركة تعرضت عبر تاريخها للكثير من محاولات التصفية التي طاولت قادتها من الشيخ المؤسس وصولًا إلى هنية، ولم ينجح العدو في ضرب الهيكلية التنظيمية لها، بل رسّخ دورها المستقبلي في أي تسوية شاملة للمنطقة، وهذا الأمر تناوله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة .في المحصّلة، قد تكون الانتخابات الأميركية التي تدخل أمتارها الأخيرة من العوامل التي يرتكز عليها رئيس وزراء العدو للمزيد من الاعتداءات، ويبقى الأمر منوطًا بـ “حزب الله” و “حماس” للجم هذه الاندفاعة الإجرامية لـ “نتنياهو” من خلال تحديد حجم “الرد” والدفع به للخروج من حال اللاسلم واللاحرب والاعتماد فقط على استراتيجية الأهداف عبر المزيد من الاغتيالات للحفاظ على الائتلاف القائم في حكومته، خصوصًا أن تراجعًا كبيرًا في شعبيته قد يودي به إلى خسارة انتخابات الـ 2026 . إجمالًا .. متغيرات جمّة قد تطفو إلى الواجهة بالرغم من حال الغموض الذي يكتنف المشهد العام، وانعكاس ذلك على الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في حرب غزة بصورة مباشرة أو غير مباشرة والتي سيكون لها تأثيرات على تفاصيل “اليوم التالي”، وهذا الشأن سيترك الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات .