بقلم خالد صالح
لايسلم الشرف الرفيع من الأذىحتى يُـراقُ على جوانبــه الـدم ..المتنبي
عشرة أشهر مرت على “طوفان الأقصى”، هذا الحدث العظيم الذي عَبرَ بهذه الأمة إلى ضفة الفعل ونقل قضيتنا المركزية “فلسطين” من طور النسيان والتضليل الدولي إلى أوج الصدارة في إحقاق حقوق المظلومين وكشفَ زيف كلّ المنظمات الدولية التي كانت ولا تزال تمثل أداة ومرتكزًا قانونيًا لهيمنة الاستكبار العالمي ..عشرة أشهر والعالم المتخاذل يشهدُ على أبشع مجزرة تُرتكب بحق الانسانية جمعاء، وأظهرت عملية “طوفان الأقصى” وجهين في هذه المعركة، وجهًا مضيئًا منيرًا للمقاومة الفلسطينية عبر أعمالها البطولية والشُّجاعة والحكمة التي مارستها، وكذلك عبر الحيوية التي بيّنت أنّ الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يقبل بالاحتلال والعدو الصهيوني مهما كلّف الثمن ..
كذلك أظهرت عملية “طوفان الأقصى” الوجهَ المظلم والوحشي للعدوّ الصهيوني عبر ممارساته الإجرامية والقبيحة والوحشية والسيئة التي استطاع العالم كله أن يراها وأن يُدينها، وسيكون عمل العدو الصهيوني وهذه الممارسات الوحشية القاسية عواملَ أساسية وركائز قوية، لدحض كل مزاعمه فهو مهما بالغ في جرائمه ومجازره، فإن أعجز من أن يطمس الحقيقة بأن أهل الأرض أصحاب حق، وصاحب الحق سلطان .
طريق معمّد بالدم
إنّ عملية “طوفان الأقصى”، رغم الكلفة الباهظة لها، بشرًا وحجرًا، إلا أنها دكّت أركان الكيان اللقيط الموقّت الصهيوني، وأدّت إلى انهيار المنظومة الأمنية له بتفاصيلها وطبقاتها كلها، والهزيمة العسكرية المدوية رغم التسليح والسلاح المدجّج بأعلى المستويات الفنية والخبرات العسكرية، كذلك انعدام الثقة بين المجتمع الصهيوني وقادته السياسيين، وتهشُّم الهيبة الكاذبة التي أثبتت حقيقةً وباعترافهم أنفسهم أنّ الكيان الصهيوني أوهن من بيت العنكبوت .ولكن ماذا كانت ردة الفعل؟ ردة الفعل هي عمليات مجنونة وغير محسوبة، لا على القياسات العسكرية ولا على القياسات الإنسانية، ولا حتى على مستوى القياسات الحقوقية والقانونية، وأثبتت أنّ العدو الصهيوني بعد هذه الضربة التاريخية وهذه الهزيمة المزلزلة لا يستطيع بهذه السهولة أن يستعيد قواه ويقف على أرجله، لذلك تهافت الغرب مسرعًا لنجدته، لكنّ صمود أهالي “غزة” ودماء شهداء الأطفال كانت بمنزلة انتصار الدم على السيف، وهذا الدم هو الذي حرّك المشاعر الإنسانية في أرجاء العالم كله، في مشهد لم نألفه قبل السابع من أوكتوبر ..إن هذه الدماء المباركة في غزّة تشكّل طوفانًا سوف يجرف أطماع هذا الكيان المصطنع وهذا الكيان المجرم، إنهم في صمودهم اليوم يحققون العزة والكرامة للأمة، إنهم في صمودهم اليوم يحافظون على القضية من التلاشي، إنهم بصبرهم وتضحياتهم يقدّمون للأمة أعظم خدمة، إنّهم سوف يستأصلون ببركة دمائهم هذا السرطان الجاثم في قلب الأمة، إنّ هذا الطوفان في غزة الأبية، قد غيّر المعالم والشعارات القادمة كلها ..
تهاوي المعادلات
إن ما شاهدناه من صمود ومن صبر عند الشعب الفلسطيني المجاهد والمقاوم، فإنّما يدلّ على صدقٍ وعزيمة وإرادةٍ فولاذيّة تُمكّنهم من الصمود في أرضهم، وبالتالي تُمكّنهم من كسر إرادة العدو، وما الحرب إلّا صراع الإرادات، والدليل على أنّ هذا العدو دخل في عملية التخبط نتيجة هذا الصمود الأسطوري هو تسارع أركان النظام العالمي من أجل تثبيته وإعطائه قوة الدفع المعنوي لكي يستمرّ، ولن يستمرّ ..صحيح أن المفاوضات الآن مستمرة حول وقف إطلاق النار وإطلاق الرهائن والأسرى وعودة المهجرين إلى مناطقهم، ورحيل الاحتلال والبدء بإعادة الإعمار، رغم أنها مفاوضات صعبة وحساسة وهناك تفاؤل حذر بأن التوصل لاتفاق بات قريبًا، لذلك أقدم العدو على اغتيال “المفاوض الأول” الشهيد اسماعيل هنية، لتصبح المعادلة الجديدة “المقاتل العنيد هو المفاوض العنيد”، وأن أي مفاوضات لا تسندها القوة والاستعداد لاستئناف القتال لن تؤدي إلا إلى الاستسلام . اليوم وبعد عشرة أشهر ورغم إحساسنا نحن بعمق المأساة الإنسانية، ولكن العدو لم يترك للشعب الفلسطيني خيارًا غير خيار المقاومة وخيار الصمود والقتال وإجبار العدو أن يتجرّع من كأس المرارة التي تذوقها الفلسطينيون لعقود طويلة، واستطاع أن يرسم معادلات جديدة تكاد أن تكون أقرب إلى “المعجزة” في ظل اختلال صارخ لموازين القوى .
الصمود أولًا وآخرًا
لم يعد أمام مقاومة الشعب الفلسطيني سوى الصمود، هذا الصمود البطولي الذي اهتز له ضمير العالم، وما الملحمة التي يسطّرها إلا الطريق نحو احقاق الحق، وأكدت أن دفاع الشعب الفلسطيني عن حقوقهم مشروع قائم ووضعت العدو في مأزق لم يعرفه من قبل، ومن المجحف بحق المقاومة إلقاء اللائمة عليهم وتحميلهم مسؤولية ما حصل في “غزة” من نكبة، فالانكسار الذي شهدناه في صفوف العدو يجعلنا نتأكد أن القضية الفلسطينية مازالت حيّة وستبقى ..عشرة أشهر على ملحمة “طوفان الأقصى”، هي ليست حربًا يشنها العدو الصهيوني وجرائم ومجازر يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني، بل تُشكّل أمرًا عظيمًا وحدثًا فارقًا، وستوضع هذه الملحمة في صفحات تاريخنا أنها من المعارك التي سيقف التاريخ عندها ويتحوّل نحو مرحلة جديدة، لأن المنطقة برمتها حكمًا لن تكون بعدها كما كانت قبلها، والقضية الفلسطينية التي استعادت وهجها وزخمها لا يمكن لأيٍّ كان أن يحاول طمسها وركنها على رفوف النسيان ..