بقلم جوزاف وهبه

لا يُحسد الزعيم وليد جنبلاط على ما هو عليه، وما هو فيه من مخاض يمتدّ من جبل الدروز في سوريا، إلى مجزرة مجدل شمس على أيدي صوارخ حزب الله في الجولان، إلى دوزنة العلاقات ما بين إرضاء الطائفة الشيعية (أو بشكل أدقّ، سلاح هذه الطائفة) وبين عدم المساس بمصالحة الجبل التي صنعها باعتزاز وفخر مع البطريرك الراحل مار نصرالله صفير في لحظة خروج (وشيء من المغامرة) على النفوذ السوري المطلق آنذاك في لبنان!لقد بات في مرحلة من العمر ومن النضج السياسي ما يجعله يغلّب السكينة والتسويات على أيّ تحدّيات أخرى.

لقد أدّى قسطه للعلى في الحروب والمعارك وغبار الموت، ما يجعله أقرب إلى التنازلات من أجل السلام، وبالأخصّ أنّه لا يزال في مرحلة “التسلّم والتسليم” في القيادة ما بين عهده وعهد إبنه النائب تيمور، مع ما يعنيه ذلك من تحوّلات في الفكر والعلاقات والوجوه:فلا هو تخلّى بالكامل عن دوره، ولا تيمور أمسك بالكامل بزمام الطائفة والحزب وباقي الشؤون.ولعلّ أبرز تجلّيات هذه الإختلافات الطبيعية إنّما كمنت في ما يراه “الأب” عاديّاً بالتسليم للثنائي الشيعي بوصول سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، بينما يرى “الإبن” في ذلك إستسلاماً كاملاً للموروثات السياسية التي أودت بالبلد إلى التهلكة الإقتصادية والمالية والإجتماعية.ما يراه وليد بك “تسوية”، ينظر إليه البيك الجديد كالصعود إلى الهاوية لا يليق به كممثل شاب لجيل الشباب!

يمكن القول، تخفيفاً من الحملة الشعواء التي واجهت زعيم المختارة في استدارته الأخيرة الأشبه بالإستسلام لمنطق وحسابات حزب الله وإيران وسوريا الأسد ضمناً، أنّ الرجل محاصر برّاً وبحراً وجوّاً، والمقصود أنّه محاصر من الداخل اللبناني (وداخل الطائفة الدرزية نفسها)، من دروز السويداء ومن دروز الكيان الإسرائيلي وهضبة الجولان..كيف كلّ ذلك؟في “بيئته الحاضنة” يدرك الزعيم الجنبلاطي أنّ عداءها لسلاح حزب الله مستحكم، ويعود إلى ذكرى 7 أيّار غير المجيدة، وإلى التحلّل في الدولة وفي الحريات العامّة بسبب هذا السلاح. وقد تمظهر هذا الرفض أو العداء في حادثتين متلاحقتين:الأولى في المناشير التي جرى توزيعها في الشويفات من قبل “محاربين قدامى” (كما قيل) تحت عنوان “سنثأر لهم يا حزب الله” ربطاً بتحميل الحزب مسؤولية ضحايا مجدل شمس..والثانية في الإعتراضات الشعبية على تأجير منازل في الجبل لبعض العائلات النازحة من الجنوب أو من الضاحية الجنوبية!

في الجولان المحتل وفي الداخل الإسرائيلي، تنحاز الطائفة الدرزية هناك إلى العلاقة مع الدولة القائمة حيث بات لها مصالح عميقة وحقوق وبالتالي واجبات، بعيداً عن “الرومنسية الجنبلاطية” التي تربطه تاريخيّاً بالقضية الفلسطينة وبالنضال ضدّ “العدو الغاشم”. فهو قد ورث هذا العداء عن والده كمال جنبلاط، ولكن ليس إلى حدّ أن يستطيع نقله بالزخم ذاته إلى نجله تيمور، أو إلى الجيل الشاب من الطائفة أو إلى فروع الطائفة داخل إسرائيل وسوريا والجولان!..

في جبل الدروز وفي السويداء، ثمّة إنتفاضة قائمة منذ عدّة أشهر ضدّ نظام بشار الأسد.ولم تنفع معها لا دعوات جنبلاط للتهدئة ولا محاولات الثنائي طلال أرسلان/ وئام وهّاب في التخفيف من وطأتها.

القطيعة قد وقعت، ولو متأخّرة عن الثورة السورية الموؤودة، بين الأسد والدروز، وهو ما ينعكس على جميع مكوّنات محور المقاومة، من حزب الله في لبنان، إلى حركة حماس في غزّة!

عبثاً يحاول وليد جنبلاط “ترميم” صورة الطائفة أو مواقفها من الصراع المفتوح، وهو يدرك أنّ المعطيات قد خرجت من يديه، ولا يمكن له أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، أي إلى علاقة طبيعية بين الدروز وشيعة الحزب، بين بشار الأسد وأهل السويداء، بين دروز إسرائيل والقضية الفلسطينية ممثلة بحماس أو الجهاد الإسلامي..

ولكنّه يبقى ساعياً ألّا تتحوّل إلى صراع دموي يصرّ على تجنّبه مهما كانت التنازلات كبيرة ومربكة وفاقعة!لا تظلموه.يدرك جنبلاط أنّه في “المكان الخاطئ”، فلا ضرورة للإشارة إلى هول استداراته.وهذا ما تفعله الولايات المتحدة حيث تتعامل معه كإبن يعرف تمام المعرفة أنّه “ضال”.

كما تتعامل معه كذلك المملكة السعودية..وربّما على المعارضة اللبنانية أن تحذو حذوهما، بانتظار عودته الآمنة إلى الضفّة الصحيحة!..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top