بقلم خالد صالح

يبدو أن الخروج من “المعضلة” اللبنانية بات يتطلّب أكثر من عصا سحرية، لأن الحل أصبح أعقد من “ذيل الضبّ”، وللذين لا يعرفون الضبّ، فهو حيوان صحراوي يعيش في جحور تحت الأرض، وذنبه فيه الكثير من العقد التي تعيق حركته، لذلك أتخذ مضربًا ومثلًا في دلالة على صعوبة الحل .لم تكن الأوضاع العسكرية التي نشهدها منذ طوفان الأقصى هي السبب فيما نحن فيه، وإن كانت حلقة من حلقاته، ولعل الحرب جاءت في مسار من الانحدار بدأ منذ الـ 2005 واستمر حتى اليوم، وأخذ معه أي بصيص أمل بالعودة، حتى ولو بلغنا “اليوم التالي” للحرب، لأن السؤال البديهي حينها : ماذا بعد ؟الأزمة اللبنانية أصبحت محشورة بين “المطرقة” و “السندان”، وجميع الأطراف أصبحوا أسرى لقرارات خارجية لا تأثير لهم بها، رغم تواجدهم في “كادر” الصورة، لأن مفاتيح الحل لدى بعض القوى “تبلّ” يدها في واقعنا المتردّي كلما “دق الكوز بالجرّة”، وكلّما شعرت أن دورها يتهمش فتشدّ “براغي” الأزمة لتثبت حضورها لا أكثر .

الموقع – اللعنة

قال أحد المفكرين ذات يوم “لعنة لبنان هي الجغرافيا قبل أن تكون الديموغرافيا”، فالأبعاد الجيوسياسية لموقع لبنان وضعته على طريق تعبره “بلدوزرات” تطحن بعضها بعضًا، وهذا البلد المنقسم تاريخيًا على نفسه لا حول له ولا قوة، مستسلم للاعبين الكبار الذين يحيكون له “الزيّ الرسمي”، فتارة يرتدي “ربطة العنق” وتارة من دونها وتارة ثالثة يرتدي “الدشداشة”، ولا رأي لنا إن كانت تناسبنا أو على مقاساتنا ..الأميركيون يعتقدون أن لبنان بما فيه من قوى معارضة لسياستهم في الشرق الأوسط يُشكّل عقبة أمام قدرتهم على فرض الحلول التي يريدون وفي مقدمها “أمن اسرائيل” وتأكيد حقها في الوجود والأمن والسلام، لذلك يستخدمون الورقة اللبنانية كلّما دعت الحاجة للضغط على عواصم إقليمية لها ثقل في السياسة الداخلية لتحقيق أهدافها، ولا مشكلة لديهم إن استخدموا التهديدات الاسرائيلية بين الحين والآخر لبلوغ أهدافهم المرسومة .ومع غياب التأثير الفعلي لـ “دمشق” في الأروقة اللبنانية، ظهرت “طهران” مستخدمة “حزب الله” والقوى المؤيدة له داخليًا في صراعها المفتوح مع واشنطن لاسيما لجهة تسوية النزاع معها حول الملف النووي والعقوبات والحصار القاسي الذي تعاني منه، مستندة بشكل قوي على تخلّي دمشق عن هذه المهمة لها، ومستغلّة “الغياب العربي” وتحديدّا “الخليجي” الذي أصبح ينظر إلى لبنان على أنه تفصيل هامشي في رؤيته لمستقبل المنطقة سياسيًا واقتصاديًا ..

مواجهة العجز.. بالإستسلام

إزاء ما تقدّم يظهر عجز الأطراف اللبنانية من دون استثناء عن اجتراح الحلول وإيجاد المخرج المناسب من الأزمة – المأزق الذي يعيشون فيه، فهي محكومة (رغمًا عن أنفها) بتوازن القوى الخارجية ذات التأثير الفعلي، وهذا التوازن الهش والمتغيّر والمحكوم بمعطيات الصراعات العربية – العربية، والذي قد يفتقد في ظروف معقّدة أي مسوّغات للعيش في هذه المرحلة التي ولّت فيها انعكاسات المعسكرين الدوليين بعدما انفردت أميركا بزعامة العالم وغرق روسيا في وحول أوكرانيا .. لذلك من غير المعوّل عليه أن تُسفر مفاوضات الدوحة عن تقدّم في ملف الحرب الاسرائيلية الهمجية على غزة، لأن أي جدّية يظهرها رئيس وزراء العدو لوقف نهائي لإطلاق النار يعني “السقوط السياسي” المدوّي والنهائي له، وهذا الاتفاق سينعكس بصورة مباشرة أيضًا على الوسط اللبناني، وعليه فإن احتمال تعثر المفاوضات قائم بشكل كبير، وبالتالي بقاء لبنان بين “مطرقة الحرب” الشاملة و “سندان اللاحرب” التي تسيطر حاليًا .. وبين حال الترقب يبرز “الضعف” الرسمي حيال ما يجري من حولنا، وهذا استسلام ضمني لقدرنا بأننا عاجزين عن تدبير أمورنا بأنفسنا، وصار الملف اللبناني “للبيع” من دون وجود شارٍ له، وهذه السياسة لن تسمح للبنان بأن يرى النور، ولا أن تأمل به الأجيال القادمة، لأنهم محكومون لسياسيين أمرهم وأمورهم ليست بأيديهم ..إلام سيصمد اللبنانيون أمام هذه الكارثة وهذا التخاذل الداخلي، حتى أصبح الخروج من واقعنا معضلة مميتة، والبلد مقسوم عموديًا بحدة شديدة والزوايا كلها حادة، ولبنان جراء هذه السياسات العقيمة ينتقل دائمًا من “الدلفة” لـ “تحت المزراب” ..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top