الشهادة الجامعية في عصر الثورة الرقمية: هل لا تزال مفتاح النجاح في سوق العمل؟.. سالي أبو علي ونور وليد: التوازن الحيوي بين التعليم والشهادات والمهارات في عصر التحولات السريعة

بقلم سالي عايش- دبيّ

في صيف كل عام، ينتظر الملايين من الطلاب العرب نتائج امتحانات الثانوية العامة، وهي لحظة حاسمة تحدد مسارهم الأكاديمي والمهني. تختلط فيها مشاعر الفرح والفخر بثمرة جهد طويل، حيث يرون في الشهادة الأكاديمية بداية رحلة نحو مستقبل واعد.لكن في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها العالم اليوم، خصوصًا في سوق العمل، يطرح السؤال نفسه: هل ما زالت الشهادة الجامعية تضمن النجاح في الحياة العملية والاجتماعية؟ ولماذا نتعلم حقًا، وما هو الدور الحقيقي للشهادات الأكاديمية في عصر التكنولوجيا والعمل الحر عبر الإنترنت؟لطالما كانت الشهادة الجامعية في مجتمعاتنا تُعتبر بمثابة “جواز سفر” للحياة العملية، فهي ما يسمح لحامله بالدخول إلى عالم الوظائف والمهن. ومع ذلك، فإن الواقع الحالي يفرض إعادة التفكير في هذا المفهوم، حيث أصبحت المهارات العملية والقدرة على التكيف مع متطلبات السوق من أهم عوامل النجاح.

قالت سالي أبو علي، استشارية موارد بشرية ومطورة مهنية والمؤسسة والرئيسة التنفيذية لمبادرة “أمان هيومن كابيتال”، لـ”ديمقراطيا نيوز” إن المهارة العملية في مجال العمل الحر لا يمكن إنكار أهميتها، لكنها وحدها ليست كافية لضمان النجاح المهني. وأضافت: “الشهادة الجامعية تلعب دورًا محوريًا في تقديم تعليم نظري وعملي شامل، مما يعزز قدرة الفرد على تطوير مهاراته بشكل منهجي ومدروس.

“الشهادة الجامعية ليست مجرد وثيقة، بل هي ركيزة تعزز العمل الحر، وتمنحه القوة والمرونة اللازمة للاستمرار والتفوق في سوق العمل المتغير. فمع أن التكنولوجيا فتحت أبوابًا جديدة للعمل الحر، إلا أن الشهادة تظل عنصرًا أساسيًا لتقديم الفهم العميق والنظرة الشمولية لأي مجال.في عالم اليوم، أصبح من الضروري توجيه الشباب نحو تحقيق توازن بين التعليم الأكاديمي وتطوير المهارات العملية.

وأضافت أبو علي: “الجمع بين الدراسة والعمل الحر ليس فقط ممكنًا، بل يمكن أن يكون استراتيجية ذكية لتعزيز القدرات المهنية.”من خلال تنظيم الوقت بكفاءة، يمكن للطلاب الاستفادة من العمل الحر كمصدر دخل دون أن يؤثر ذلك سلبًا على تحصيلهم الأكاديمي. وأكدت على أهمية استغلال مشاريع التخرج والفرص التي تتيحها الجامعة لتطوير الذات وإضافة قيمة عملية للمعرفة النظرية.مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل بناء شبكة علاقات قوية وتعزيز الصورة الذاتية، مما يزيد من فرص النجاح والتميز في السوق المهني.

في هذا السياق، أكدت نور وليد، أخصائية تربوية وتعديل سلوك نفسي لجميع الفئات العمرية وناشطة في مجال الإعلام، حيث لديها بودكاست وبرنامج خاص بها، لـ”ديمقراطيا نيوز” على أن الوصول إلى التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي يتيح للشباب فرصة استكشاف وتطوير مواهب متعددة قبل الوصول إلى مرحلة اختيار التخصص الجامعي. وأوضحت أن هذا التوسع في الاهتمامات والمعارف يساعدهم على اتخاذ قرارات أكثر وعيًا واستراتيجية عندما يحين وقت اختيار التخصص الجامعي.

وأضافت وليد: “لقد استخدمت هذه المنصات لإبراز تعليمي وتخصصي الأكاديمي، حيث شكلت وسيلة فعالة لعرض مؤهلاتي وشهاداتي، مما يعزز قدرتي على التواصل مع المراهقين وتوجيههم نحو استثمار هذه الأدوات الرقمية في بناء مسيرتهم التعليمية والمهنية.”اختيار التخصص الجامعي يجب أن يبدأ من تحليل ذاتي عميق، يشمل تحديد الاهتمامات الشخصية، ونقاط القوة والضعف، وفهم التحديات وسوق العمل. قالت سالي أبو علي إن هذا التحليل يمكّن الطلاب من اختيار تخصص يعزز المهارات الفردية ويدعم النجاح في العمل الحر، مما يضمن توافق التعليم الأكاديمي مع الأهداف المهنية المستقبلية.

وأضافت أبو علي: “من خلال هذا النهج المتوازن، يمكن للشباب استغلال التعليم الأكاديمي كقاعدة صلبة يبنون عليها مهاراتهم العملية، مما يضمن لهم النجاح والاستمرارية في سوق العمل المتغير.”الشهادات الأكاديمية لم تعد ضمانة أكيدة للنجاح، لكنها توفر الأساس الذي يمكن البناء عليه. في عالم متغير، يحتاج الشباب إلى التفكير بشكل استراتيجي حول كيفية استثمار تعليمهم وتطوير مهاراتهم لضمان النجاح المهني والاجتماعي. التعليم والشهادة قد يكونان بطاقة المرور إلى الحياة العملية، لكن المهارات والمرونة هي التي تضمن الاستمرار والنجاح في هذا العالم المتسارع.

في ظل انتشار ظاهرة “المؤثرين” عبر منصات التواصل الاجتماعي، قد يبدو تحقيق الأرباح الكبيرة أمرًا سهلاً. ولكن هل يمكن أن يكون هذا النوع من الكسب بمثابة عمل حقيقي يُنتِج قيمة مادية أو فكرية؟ هناك قنوات على يوتيوب تحقق مشاهدات هائلة، مثل قناة تُظهر شاحنة تسحق أشياء يوميًا، لكنها لا تقدم معرفة أو محتوى ذي قيمة. هذا النموذج يعكس نوعًا من الكسب بلا عمل، وهو ما يجب التفكير فيه بشكل نقدي.

إن مواجهة هذا الواقع تتطلب مزيجًا من التعليم الأكاديمي وتطوير المهارات العملية، بما يضمن للشباب القدرة على التكيف والنجاح في عالم تتغير فيه المعايير المهنية بسرعة.

في الختام، شدّدت وليد على أن التقدم التكنولوجي وتوفر مواقع التواصل الاجتماعي يمنح الشباب القدرة على اكتشاف وتطوير مواهب متعددة قبل اتخاذ قرار اختيار التخصص الجامعي. وأوضحت أن هذا التوسع في الاهتمامات والخبرات يساعدهم في اتخاذ قرارات أكثر استراتيجية ومدروسة، تعزز من نجاحهم في المستقبل المهني والاجتماعي.

وأكدت أبو علي أن اختيار التخصص الجامعي يجب أن ينطلق من تحليل ذاتي دقيق يشمل تقييمًا واعيًا للاهتمامات الشخصية، ونقاط القوة والضعف، بالإضافة إلى فهم عميق للتحديات التي يفرضها سوق العمل. هذا النهج المدروس يعزز تطوير المهارات الفردية ويدعم العمل الحر، مما يضمن تماهي التعليم الأكاديمي مع الأهداف المهنية وتحقيق التميز في المستقبل.

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: