بقلم جوزاف وهبه
يصرّ الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أن يشاركنا كلّ أفراحه وهمومه وانتصاراته الممتدّة من الجنوب العاثر، إلى القصير ومقام السيّدة زينب، إلى قلاع الحوثيين، فمضافة طهران حيث سقط القائد اسماعيل هنيّة شهيداً، بانتظار “الثأر” لدمه المراق:تُرى، هل تدخل الدول العظمى في لعبة الثأر كما هي حال القبائل والعشائر والعائلات الكبيرة؟.. كلّ يوم، وعلى مدار الليل والنهار، نتشارك “زفّ” الشهداء، الواحد تلوَ الآخر، وسط التبريكات والفخر والإعتزاز:كيف يمكن لنا أن نفرح لموت شباب بعمر الورود، في سبيل قضية نبيلة دون شك، ولكن بيننا وبينها الكثير من الإلتباسات والأسئلة التي تبقى بلا أجوبة!.. هل يقاتل نصرالله حقّاً على طريق القدس (وهو الذي قال في آخر إطلالة له أنّنا لسنا في وارد إزالة الكيان الصهيوني.. أليس كذلك؟)، أم على طريق حسابات ومصالح دولة إيران الساعية إلى الجلوس، بأيّ ثمن، على طاولة الكبار العظماء؟وبما أنّنا معاً في السرّاء والضرّاء، في السلم المفقود والحرب المفتوحة، شئنا ذلك أو لم نشأ، ها نحن نستفيق على وجودنا في نفق مضاء بأشعّة ليزر البنفسجية فوق الحمراء (لماذا لا يُطلع وزير الطاقة وليد فيّاض على هذه التقنية المتطوّرة علّه يتخلّص من عبء النفط العراقي، ويضيء ليالينا المعتمة 20 على 24 ساعة في أفضل الأحوال..أوليسوا حلفاء أوفياء، كما ورَد في ثنايا ورقة مار مخايل؟):ما أجمل هذا المكان!..
إنّه نفق 5 نجوم. بمعنى يتّسع لكل المواطنين المدنيين الأبرياء الذين لا يتقنون فنّ إطلاق الصواريخ الذكيّة، ولا يفقهون بالهجومات المركّبة التي تتضمّن الخلطة السحرية ما بين صواريخ فلق 1 وفلق 2، وبين المسيّرات الإنقضاضية التي هجّرت أكثر من 100 ألف مستوطن إلى الفنادق.. تُرى، إلى أين تهجّر أهالي القرى الحدودية اللبنانية، هل مَن يحصي أعدادهم بدقّة..وهل صحيح أنّ نزاعات كثيرة تواجه حركة إنتقالهم بين المناطق؟في غزّة شبكة أنفاق عنكبوتية غير مسبوقة.لقد حمت يحي السنوار والكثير من قادة ومقاتلي حماس من عنف إسرائيل اللامتناهي:كم فرحنا لذلك! ولكنّ فرحتنا لم تكتمل.
أهل المقاتلين وأبناؤهم وأحبّتهم وجيرانهم وسكّان قراهم وأحيائهم لم يجدوا لأنفسهم مكاناً آمناً في تلك الشبكة العنكبوتية. إستشهدوا بالآلاف فوق الأرض (تجاوز العدد الأربعين ألف، عدا المفقودين والجرحى)، يا للهول!..
حتّى المقابر لم تعد تتسع لأجسامهم النحيلة.ويُقال أنّ أكثرهم قد سقطوا شهداء في الطريق إلى فوهة النفق علّهم يخبئون صغارهم من عنف القنابل والطائرات، لكنهم فوجئوا بأنّ للنفق أبواباً سرية لا يمكن الكشف عنها لأسباب عسكرية، وهذا صحيح..ولكن، كيف ينتصر المقاتل القابع تحت الأرض، وأولاده يستشهدون فوق الأرض؟ أيّة قضية تميّز بين الأب وأبنائه ليست قضية عادلة مهما كانت محقّة وصارخة!ربّما “عماد 4” يختلف عن أنفاق غزّة حيث يموت المدنيون ويسلم العساكر.لبنان أكثر اتساعاً، بمعنى أنّ هذا النفق المصنّف 5 نجوم (حسب ما جاء في الفيديو المثير الذي زعزع كيان العدو..) سيفتح أبوابه للجميع دون إستثناء.
يستطيع أهالي الضاحية وكفركلا وعيتا الشعب وميس الجبل أن يلجأوا إليه هربا من قصف ورعد وأذى قنابل “مارك 84” الصهيونية.هناك، أي في النفق، كلّ شيء متوفّر:الماء والطعام والكهرباء ووسائل التدفئة والتبريد.النفق في خير، يعني أبناء الجنوب في خير.لن تفلح طائرات الفانتوم بكلّ أشكالها (16 أو 22 و25) أن تشوّه وجوه الأطفال.ولن تتمكّن من كسر ألعابهم، ولا سرقة أحلامهم.هنا في النفق كلّ عناصر الأمن والأمان في متناول أيديهم..أليس كذلك، يا سماحة السيّد؟لقد تعبنا من الإنتصارات، كما تعبنا من الهزائم.مللنا الكلام عن النصر الإلهي المحتّم، فيما عدّاد الشهداء يتصاعد بوتيرة سريعة:300، 400 دون توقّف.لم يعد يرضينا هدهد 1 أو 2، ولا عماد 4 و5.
كلّ الدروب تقودنا إلى الموت.إلى السقوط في حفرة السواد والتخلّف والعتمة.في الوقت الذي يضيء فيه صوت نصرالله نفقاً مفترضاً في عمق الجبل، ينطفئ معمل الزهراني بعد معمل دير عمار:أيّ انتصار موعود هذا، وأيّ فخر واعتزاز؟قد تكون الصواريخ الدقيقة في أمان، ولكنّ بيئتك الحاضنة وشعبك، يا سيّد، ليست في أمان..والمنطق يقول:الصواريخ في خدمة الناس، وليس العكس.
غزّة مثل حيّ دامٍ، حيث لم تحمِ الأنفاق وصواريخ إيران تحت الأرض، مَن هم من البشر فوق الأرض..فهل نعيد الكرّة، بكلّ برودة وغباء واستكبار، في لبنان؟نريد بيتاً ضيّقاً دافئاً ولو بنجمة واحدة..ولا نريد نفقاً واسعاً بارداً، ولو بأربع أو خمس نجوم!
