بقلم خالد صالح
مهما تباينت الآراء حولَ “طوفان الأقصى”، تأييدًا أو نقدًا، سلبًا أو إيجابًا، لا اعتقد أن أيًّا من المفكرين السياسيين والمراقبين لها قد يختلفُ في أن للتاريخ فواصلَ تغيّر مسارَه، وتحدّد خطوط وحدود العلاقات بين المؤثرات في أيّ منطقة تشهدُ حادثة مهمّة، وهذا الحدث يُعتبرُ من أهمّ الفواصل التي شهدها الربع الأوّل من القرن الحادي والعشرين، لا شك أنها ستبلور شكل العلاقات وحدودها في المنطقة، وربما تمتدّ تداعيات معركة طوفان الأقصى للربع المقبل من القرن الحالي، وربما أبعد، لأن الصراع المفتوح بعد “السابع من أكتوبر” هو الأشدّ خطورة وتشابكًا .
ورغم الجهود الديبلوماسية المبذولة لوقف آلة الحرب التي ضربت الإنسانية جمعاء بمقتل، إلا أن ثمّة عقبات تحول دون التوصل إلى إتفاق لوقف إطلاق النار، نتيجة التعنّت الإسرائيلي الذي يُظهره رئيس وزراء العدو دائمًا، الأمر الذي يُعيد المفاوضات إلى “نقطة الصفر”، وكأنّ هناك “قطبة مخفية” تُعرقل هذا المسار الشائك، مما استدعى طرحَ جملة من التساؤلات عن الأسباب الحقيقية، لتصل إلى الخلاصة “فتّشوا عن الانتخابات”..
عام الاستحقاق الأميركي
كان للصمود البطولي للمقاومة الفلسطينية ارتدادات زلزالية على الواقع السياسي للعدو الاسرائيلي ورئيس وزرائه، لأن الخارطة التي وضعَها بعد الطوفان لم يتحقق منها شيء، رغم الأثمان الكبيرة التي دفعها الشعب الفلسطيني في غزة، إضافة إلى الفاتورة الكبيرة في جبهة الإسناد اللبنانية، وبينما كان يعتقد البعض أن الحرب لن تتجاوز فترة الشهر على الأكثر، إلا أنها امتدّت بشكلٍ غير متوقّع، ولم يسبق للكيان الغاصب أن عاش هكذا واقع منذ تاريخ نشأته .كان من المتوقع أن تدخلَ الولايات المتحدة الأميركية على خط الاسناد لحليفتها “المدللة” والاستراتيجية وتقف بجانبها، لكنها تفاجأت أيضًا بمسار الحرب، وبينما كانت الإدارة “الديموقراطية” تُفتش عن نصر سريع ترفع فيه حظوظها في مواجهة “الجمهوريين” في انتخابات الـ 2024، وجدت نفسها بين “فكّي كماشة”، خصوصًا بعد التراجع الكبير الذي تعرّض له الرئيس جو بايدن وأدّى إلى انسحابه من السباق الرئاسي ..
نظرت الولايات المتحدة إلى هجوم حماس في السابع من أكتوبر، على أنَّه تهديد وجودي لإسرائيل، خصوصًا بعدما تعهَّد نتنياهو بسحق حماس، وشنَّ بناءً على ذلك حربًا واسعة على قطاع غزة، فإنَّ واشنطن وفَّرت لإسرائيل الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي لتحقيق هذا الهدف، لا بل شارك بايدن في اجتماع لمجلس الحرب الاسرائيلي بعيد “طوفان الأقصى” بقليل في مؤشر واضح على الدعم المطلق لهذه الحرب..
البحث عن رافعة
وجدت الادارة الأميركية نفسها جراء إطالة أمد الحرب أمام مأزق اقتراب الانتخابات، ثم برزت عقبة غير متوقعة تمثّلت في عجز بايدن وانسحابه، مما جعل المرشح الجمهوري دونالد ترامب يتقدم بـ 7 نقاط كاملة خصوصًا بعد “المناظرة الشهيرة”، واختيار نائبته “كاملا هاريس” لخوض السباق الرئاسي، من هنا بدأت محاولة تذليل الفارق في استطلاعات الرأي، والبحث عن مخارج لأزمة الديموقراطيين من خلال “حل ديبلوماسي” عبر المفاوضات، عسى ولعل أن يشكل بذلك “رافعة” قبل الخامس من تشرين الثاني المقبل . لكن حساب “حقل” الديموقراطيين يختلف عن حساب “بيدر” نتنياهو، فهو أيضًا يخشى الوصول إلى حلّ سياسي يُقوّض كل ما فعله من مجازر من دون تحقيق أدنى إنجاز، وهو يُدرك تمامًا أن “فينوغراد” آخر ينتظره عقب الحرب، ومصير “أولمرت” يتراءى أمامه، لذلك لن يضع رأسه تحت “مقصلة” الانتخابات الأميركية، فهو الآخر يبحث عن “رافعة” تُبعد عنه “الكأس المرّة”، طالما أنه يحظى بدعم “جمهوري” أوسع، ولا مشكلة لديه في وصول ترامب للبيت الأبيض .
باتت “لعبة المفاوضات” مكشوفة وسمجة جدًا، نتنياهو لن يتوقّف في حربه ضد حماس، ولن يُقدِم على فتح حرب شاملة ضد محور الممانعة، وستستمر لعبة “القط والفأر” والضربات المحدودة من هنا ومن هناك وفق القواعد المعمول بها، ريثما ينجلي المشهد الأميركي، فالديموقراطي والجمهوري عند نتنياهو سواء، بل وصول ترامب سيعزز عندها فرضية “الحرب الشاملة” لأن الجمهوريين لديهم القدرة على “خوض الحروب” أكثر من الديموقراطيين وفي التاريخ شواهد كثيرة .
من هنا ووفقًا لتطورات عملية التفاوض، يبدو أن إدارة بايدن بحاجة إلى خطة بديلة تكون ذات مصداقية وتُفيد هاريس في معركتها، خطة محددة زمنيًا ولها نهاية واضحة ونتائج يبنى عليها، وإلا فإنها ستكون هدرًا للوقت، خصوصًا أن اليمين الحاكم في اسرائيل غير مقتنع حتى اللحظة بأي تسوية ويتابع حربه كـ “خيار” أوحد، مستندًا على تأييد المزاج الاسرائيلي، ولن تنفع ضغوط بايدن برضوخ نتنياهو، فاللوبي الصهيوني في أميركا يتربّص بهم وستكون كلمته لمن يضمن “أمن اسرائيل” بصورة أكبر ..