بقلم سالي عايش- دبيّ
في عصر يسيطر فيه البريق السطحي على عقول الجماهير، ويتحول التركيز من الجوهر إلى المظاهر، تنبثق قصص مثل تلك التي عاشتها إيمان خليف وسيبيل بو شعيا لتكشف لنا الوجه الحقيقي لظاهرة التنمر. هذا المرض الاجتماعي الذي يتفشى بيننا ليس مجرد أداة للهدم، بل هو تحدٍ يجبر الموهوبين على مواجهة أنفسهم والمجتمع في آن واحد. وما بين التفوق في ساحات الرياضة وجمال التاج، تظل الآثار النفسية العميقة التي يخلفها التنمر موضوعًا يتجاوز الحدود الشخصية، ليصبح قضية اجتماعية تستدعي التأمل والتغيير.
وبناءً على ذلك، التنمر ليس مسألة سطحية؛ بل هو عامل هدم كبير للصحة النفسية للأفراد. الرياضيون والعارضون الذين يرفعون اسم بلدانهم عالميًا يواجهون ضغوطًا هائلة، وتزيد التعليقات السلبية من هذه الضغوط بشكل مفرط. في حالة إيمان خليف، الهجمات الشخصية التي تستهدف مظهرها بدلاً من إنجازاتها الرياضية أضافت أعباء نفسية إضافية. وبالمثل، تعرضت سيبيل بو شعيا لانتقادات لاذعة أثرت على ثقتها بنفسها وزادت من ضغطها، مما جعلها تعيد التفكير في قراراتها ومسيرتها المهنية.
في هذا السياق، تحول الإنترنت إلى ساحة لتضخيم السلبيات وتعليقات التنمر. في العصر الرقمي الذي نعيشه، أصبح التنمر الإلكتروني أخطر بكثير من التنمر التقليدي. كما أشارت رقية ياقوت الأعرج، منتجة بودكاست “FEMTalks” وسيدة أعمال ل”ديمقراطيا نيوز”، فإن “الفرق بين التنمر الإلكتروني والتقليدي يكمن في أن الإلكتروني يتخفى خلف شخصية مجهولة، مما يجعله أكثر خطورة. فالشخص الذي يمارس التنمر لا يواجه أي عواقب مباشرة، وبالتالي يعبّر عن غضبه وكراهيته دون تردد.” علاوة على ذلك، تعليقات وسائل التواصل الاجتماعي السلبية يمكن أن تعزز المشكلة بشكل مبالغ فيه، مما يؤدي إلى تفاقم مستوى التنمر.
في حالة إيمان وسيبيل، أصبحت هذه التعليقات مركزًا رئيسيًا للجدل، مما ساهم في تصعيد المشكلة بدلاً من تهدئتها. هنا يتجلى دور وسائل الإعلام أيضًا في تضخيم هذه التعليقات ونقلها لجمهور أوسع، مما يزيد من الضغط النفسي على الضحايا.بناءً على ذلك، تسليط الضوء على السلبيات بدلاً من الإنجازات يعكس معايير مزدوجة في المجتمع. لماذا نركز دائمًا على المظاهر والانتقادات الشخصية بدلاً من الاحتفاء بالجهد والنجاح؟.. يبدو أن المجتمع يفضل التركيز على الجوانب السطحية بدلاً من تقدير الجهد والتفاني الذي يبذله الأفراد لتحقيق إنجازاتهم. هذه الظاهرة تتجلى بوضوح عندما نرى كيف يتم التعامل مع الشخصيات العامة والموهوبين في مجالاتهم ، بدلًا من تسليط الضوء على نجاحاتهم وإنجازاتهم، يتعرضون للنقد والانتقاد بناءًا على مظهرهم أو قراراتهم الشخصية التي قد تكون بعيدة تمامًا عن مجال عملهم أو إبداعهم.
علاوة على ذلك، التنمر يكشف عن مشاكل أعمق في المجتمع، مثل الحسد والجهل. الأفراد الذين يمارسون التنمر غالبًا ما يكون لديهم مشكلات شخصية يعانون منها، مما يجعلهم ينفثون غضبهم على الآخرين.
في حالة إيمان خليف وسيبيل بو شعيا، يعكس التنمر هذه المشكلات المجتمعية بدلاً من التركيز على إنجازاتهم وتفوقهم. كما أوضحت الأعرج في تصريحها لديمقراطيا نيوز، فإن “الأشخاص الذين يمارسون التنمر غالبًا ما يشعرون بالهزيمة والألم، ويحاولون تعكير أي نجاح أو تقليل من شأن أي شخصية ناجحة.” هذا السلوك يعكس عدم القدرة على قبول الاختلاف أو التعامل مع النجاح الذي يذكرهم بنقاط ضعفهم أو عجزهم عن التقدم.
من هنا، يجب على المجتمع والإعلام لعب دور أكبر في رفع الوعي ضد التنمر ودعم المواهب. كما أكدت الأعرج، “الإعلام له يد عظمى في قلب الطاولة وتحويل انتباه الجمهور للنقاط المراد التوجيه لها”. من خلال تعزيز الوعي والتصدي للثقافات السلبية التي تشجع التنمر، يمكننا خلق بيئة أكثر إيجابية تحتفل بالإنجازات بدلاً من الانشغال بالمظاهر والتعليقات السلبية. ولأن الإعلام يلعب دورًا حيويًا في تشكيل الرأي العام، فإن التغطية الإعلامية المنصفة والمتوازنة يمكن أن تسهم في تقليل تأثير التنمر وتحويل الانتباه نحو تقدير الموهبة والجهد. على الرغم من ذلك، هناك العديد من الشخصيات التي تحدت التنمر وحققت نجاحات ملحوظة. برأي الأعرج، “حملات التنمر ستزيد الموهبة إصرارًا على النجاح والتقدم”. إيمان خليف وسيبيل بو شعيا هما مثالان للأفراد الذين تجاوزوا التنمر وحققوا نجاحات كبيرة في مجالاتهم ، فعلى الرغم من الضغوط النفسية الهائلة التي تعرضوا لها، استطاعوا أن يستمروا في مسيرتهم المهنية ويتغلبوا على العقبات التي واجهتهم.
في هذا الزمن، لم يعد التنمر مقتصرًا على فئة أو بيئة بعينها؛ بل أصبح ظاهرة تطال الجميع، بغض النظر عن العمر أو المكانة الاجتماعية. تتجلى هذه الظاهرة بأشكال متعددة، من الجسدي إلى اللفظي وصولًا إلى الإلكتروني، وكل منها يترك آثارًا نفسية وجسدية عميقة على الضحايا.
ومن هنا، تبرز الحاجة الملحة إلى تعزيز الوعي المجتمعي بخطورة التنمر والعمل بشكل جماعي على بناء بيئة آمنة وداعمة، تُعلي من شأن الكرامة الإنسانية وتحتفي بتنوع الأفراد واختلافاتهم.
في الختام، من المؤسف أن التركيز غالبًا ما يكون على الشكل الخارجي بدلاً من الموهبة الحقيقية. هذا التركيز السطحي يعوق تقدير الجهد والتضحيات التي قدمها الأفراد لتحقيق إنجازاتهم. بدلاً من الاهتمام بالمظاهر، يجب علينا التركيز على الموهبة والإنجازات التي تميز هؤلاء الأفراد. كما ذكرت الأعرج، “إذا آمنتي بنفسك لا يمكن لأي قوة زعزعتك”. الإيمان بالنفس هو السلاح الأقوى في مواجهة التنمر، وهو ما يجعل النساء الموهوبات قادرات على تجاوز هذه التحديات والاستمرار في طريق النجاح.
بهذا الشكل، تسلط الأحداث الأخيرة مع إيمان خليف وسيبيل بو شعيا الضوء على قضايا أعمق تتعلق بالتنمر والتضخيم الإعلامي. من هنا، يصبح من الضروري إعادة النظر في معاييرنا الاجتماعية والإعلامية. يجب أن ننتقل من التركيز على المظاهر إلى تقدير الموهبة والإنجاز، وأن ندرك أن التنمر ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو مشكلة متجذرة تحتاج إلى حلول جذرية.
حان الوقت لدعم المواهب ومواجهة التنمر بجدية، لخلق بيئة تعترف بالجهد والتفاني وتحتفل بالإنجازات الحقيقية.الأعرج في ختام حديثها : “يجب علينا تعزيز الإيمان بالنفس بين النساء الموهوبات، وتوجيههن نحو التركيز على أهدافهن وتجاهل الأصوات السلبية.” هذا هو الدرس الأهم الذي يمكن أن نستخلصه من تجارب إيمان خليف وسيبيل بو شعيا. الإيمان بالنفس والتفاني في العمل هما الأساس في تجاوز كل الصعوبات وتحقيق النجاح، بغض النظر عن التحديات التي قد تطرأ على الطريق.