بقلم خالد صالح
“ناجي العلي” .. هل تذكرونه ؟، هل تذكرون “حنظلة” الذي أدار ظهره وهو يقول “أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر” ؟، وما هو الأمر الذي يُعتبر أكبر من “الخيانة العظمى”، لذلك حتى ولو كانت “زلة لسان” أو استخدام خاطىء للعبارة، فإن الاتهام بـ “الخيانة العظمى” دونه محاذير كثيرة ويترتب عليه مسؤوليات جسام .
وجدت “القوات اللبنانية” نفسها تعيش حالة من التخبّط نتيجة العزلة التي تعيشها، فلم يجد رئيسها سوى “الحكومة” كي “يفش خلقه” فيها ويتهمها بـ “الخيانة العظمى”، هذا الاتهام الجائر الذي يأتي في لحظات دقيقة وحرجة يمر بها لبنان، وتتطلب الكثير من الحكمة في انتقاء المفردات، فالتباين في الآراء السياسية حول القضايا القائمة مهما بلغ فإنه لا يسمح لأيٍّ كان بهذا الاتهام .
أحلاهما مر
وجد الرئيس نجيب ميقاتي نفسه على رأس “حكومة تصريف أعمال” بُعيدَ الانتخابات النيابية 2022، ولم تنجح كل محاولاته في تشكيل حكومة “كاملة المواصفات” قبل انتهاء ولاية الرئيس الأسبق ميشال عون، ليجد نفسه مرة أخرى في الأول من تشرين الثاني 2022 على رأس حكومة تتقاذفها الأهواء الشخصية لمكوناتها الذين قدّموا ولاءاتهم وانتماءاتهم السياسية على “مصير الوطن” .
منذ ذلك التاريخ والرئيس ميقاتي يحمل “كرة النار” بيديه، ليس دفاعًا عنه، بل حقيقة لابد من الجهر بها، فأمام “الكيد” السياسي و “النكد” الذي يواجهه، أدار حكومة تصريف الأعمال من “حواضر البيت” كما ينبغي، في ظل انهيارات مميتة طاولت كل القطاعات والمرافق الرسمية، جاهد كي يُبقي على هيكلية الحكومة مترابطة، لكن ماذا تفعل بـ “الكيد” وكيف تواجهه ؟ .
كان يُمكن للرئيس ميقاتي أن “يعتكف” لكنه أدرك أن التخلّي عن مسؤولياته في مرحلة عصيبة تمر بها البلاد سيشكل المسمار الأخير في “نعش لبنان”، فحاول بما تيسّر له أن يُحافظ على الحدّ الأدنى من “تصريف الأعمال”، فنجح في أماكن، وتمت عرقلته في أماكن أخرى نتيجة النكد السياسي الذي واجهه منذ أن أصبح على رأس السلطة اللبنانية بعد رحيل ميشال عون، وبين الاعتكاف وممارسة واجباته والأمران أحلاهما مر، ارتأى الثانية بغض النظر عن مواقف البعض من هنا وهناك .
ما بيعجبهم العجب
منذ استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري بعيد ثورة 17 تشرين الأول 2019، لم تجد “القوات اللبنانية” رؤيتها الثابتة، رفضت تسمية الحريري مجددًا ولم تواكب تسمية جنبلاط للسفير نواف سلام، ثم رفضت إجماع نادي الرؤساء على السفير مصطفى أديب فاختارت “نواف سلام”، وبعد اعتذار أديب وتكليف الحريري مجددًا لم تسمِّ أحدا، وبعد اعتذار الحريري وفي استشارات تكليف ميقاتي 2021 عادت لتختار مصطفى أديب، في تخبّط مبني على النكد وعدم وضوح الرؤيا أمامها .
وبعد أن تحوّلت “حكومة ميقاتي” الحالية إلى تصريف الأعمال، تارة ترفض جدول أعمالها، وتارة أخرى تطلب منها ممارسة دورها كـ “حكومة كاملة الدسم”، تارة ترفض مبدأ التعيينات في ظل غياب رئيس للجمهورية، ثم تطالب الحكومة بالعمل على اجراء الانتخابات الرئاسية، رغم أنها غير معنية بهذا الاستحقاق، وبعد السابع من أكتوبر، بدأت تطالب الحكومة بالإمساك بالقرار رغم معرفتها بالتقاطعات الحادة داخل لبنان، وعندما حاول ميقاتي قدر الامكان أن يبقي على ديبلوماسية البلاد، جاء اتهامه بـ “الخيانة العظمى” ..
أظهرت “القوات اللبنانية” عقمًا فاضحًا في سياستها، وجهلًا فاضحًا في تركيبة البلد وحساسية المرحلة التي يمر بها، صحيح أنه من حقها مواجهة مشروع “محور الممانعة”، لكن ليس من حقها على الإطلاق توزيع شهادات “الوطنية” على من يجاريها وكيل الاتهامات بـ “الخيانة” على من يخالفها الرأي، فهي ليست “مختبرًا للدم” يفحص هذا وذاك ليحدد نسبة وطنيته من عدمها، فلكل منا وجهة نظره وطريقة قياسه للأمور..
“الخيانة” إتهام فاضح وخطيئة كبرى وقعت به “القوات اللبنانية” بحق حكومة تصريف الأعمال ورئيسها، وليس عن طريق الخطأ كما حاولت التبرير، وهي مشكلتها المستعصية إذ أنها ترى سياستها هي الخالية من العيوب، وعلى جميع اللبنانيين الانضواء تحت رايتها في معرض مواجهتها لـ “حزب الله”، ومن يعارضها أو يخالف رأيها هناك حزمة من الاتهامات جاهزة وغب الطلب متناسية قول الشاعر :
لسانك لا تذكر به عورة امرىءٍ فكلك عورات وللناس ألسن ..