بقلم جوزاف وهبه
قد يتململ الشارع السنّي من بعض المواقف الحادّة (أو النافرة) التي تصدر أحياناً من القوات اللبنانية، أو من أحد النواب والمسؤولين (كما في حالة خطأ ال 1400 سنة من قبل النائبة غادة أيوب)، كما قد يحلو للبعض أن يسترسل في تحميل الدكتور سمير جعجع (إلى حدّ التخوين وتهمة قلّة الوفاء) مسؤولية غياب الرئيس سعد الحريري عن العمل السياسي، مكتفياً بنوع من الأداء الوطني العام – الإجتماعي ، ولكنّ ذلك لا يغيّر شيئاً في “واقعين موضوعيين” قد جرى التعبير عنهما مؤخّراً في زيارتين لافتتين:
-الأولى، زيارة عضو اللقاء الديمقراطي النائب هادي أبو الحسن، موفداً من الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، للإضاءة على العلاقة الثابتة مع القوات اللبنانية تأكيداً على “مصالحة الجبل” التي يحميها سيّد المختارة برموش عينيه كما يُقال،وذاك يعود إلى سببين رئيسيين:أنّ القوات هي الطراف الأقوى على الساحة المسيحية.وقد باتت بلا منافس حقيقي بعد الإنسحابات النيابية المتتالية من كتلة لبنان القوي (الياس بو صعب، ثمّ ألان عون وسيمون أبي رميا، وصولاً إلى ابراهيم كنعان، وربّما غيره!)، ما يجعل أيّ ضمانة لأمن وسلام الجبل تمرّ حكماً بمعراب، وهو ما أدركه ويحرص عليه الزعيم الجنبلاطي.. السبب الثاني هو العين السعودية التي تراقب (ولو من خلف نوافذ الأحداث والتطورات الجارية..)، وإذ يحرص جنبلاط على ألّا “تحمرّ” عين المملكة من مبايعته الزائدة إلى حزب الله تحت باب الحرص على رأس طائفة الموحّدين (عند تغيير الدول)، فإنّه يرسل الإشارة اللازمة بأنّ للإستدارة حدوداً، هي بالضبط حدود معراب التي ألبسها السفير السعودي وليد البخاري “البشت” في عزّ الخلاف السني – القواتي، وفي عزّ تصعيد سمير جعجع مواقفه المناهضة للحرب، والداعية إلى تحرّك الدولة اللبنانية لحماية وجودها ووجود البلد والناس بضرورة “رفع الصوت” رفضاً للتماهي مع حسابات الحزب وطهران ومحور الممانعة!..
الثانية، قيام عضو تكتل الجمهورية القوية النائب إيلي خوري مع منسق القوات اللبنانية في طرابلس فادي محفوض بزيارة تهنئة إلى الشيخ سالم الرافعي، وذلك بمناسبة إنتخابه رئيساً لهيئة العلماء المسلمين في لبنان، وجرى في اللقاء “البحث في تحصين العلاقات بين المكوّنات اللبنانية وتعزيز التعاون الإسلامي المسيحي باعتباره العمود الفقري للكيان اللبناني..” كما جاء في البيان الموزّع.
وقد لفت في الأمر أنّ القوات كانت من أوائل المهنئين، وما كان لهذه الزيارة أن تتمّ بهذه السرعة القياسية لولا الصنارة السعودية التي تعيد حياكة العلاقات السنّية – المسيحية من بوّابة معراب بالذات كحليف أساسي للمملكة في المعادلة السياسية اللبنانية القائمة والمقبلة!هاتان الزيارتان المتزامنتان (درزيّاً وسنيّاً) تؤكدان المؤكّد بأنّ المملكة السعودية إنّما تتابع الأوضاع في لبنان بالتفصيل وبما يلزم دونما إثارة الضجيج والغبار ودونما إثارة ردّات الفعل، وعند اللزوم فقط، بمعنى عند الإستشعار باختلال الموازين في المشهد اللبناني.. مع الحرص الشديد على إبقاء خطوط التواصل مفتوحة ما بين المختارة ومعراب من جهة..وما بين المكوّن المسيحي والمكوّن السنّي من جهة أخرى!