بقلم رفال صبري
انتشرت في الآونة الأخيرة بعض الألعاب الالكترونية ولاقت شهرةً واسعة بين الأطفال وشكّلت نوعًا من الإدمان لديهم، وتسببت مؤخّرًا في إثارة الجدل نظرًا لتأثيراتها على صحتهم النفسية ومما فيها من إيحاءات غير مناسبة لسنوات الطفولة.
أبرز هذه الألعاب التي لاقت انتشارًا هي “روبلكس Roblox” في المقام الأوّل لما تحتويه من خصائص التواصل والمراسلة مع الغرباء، بالإضافة إلى كلّ من “ماين كرافت Minecraft” و “بي إكس دي PXD”… وغيرها الكثير من الألعاب التي لا تُعدّ ولا تحصى في عالم الانترنت.
انطلاقًا من ذلك تشير الأستاذة الجامعية الدكتورة والمعالجة النفسية “سلوى الحاج” في حديثٍ إلى “ديمقراطيا نيوز” إلى أنّ هذه الإشكالية مهمّة جدًّا على صعيد مرحلة الطفولة وقد تمّ تناولها في العديد من الدراسات منذ سنواتٍ عديدة وقد أثبتت الأخيرة أنّ الألعاب الإلكترونية لها أثار جانبية عديدة نفسية، عقلية، وإجتماعية، إنفعالية، وجسدية. وهذه المشكلة هي على صعيد العالم ككل إذْ أنّ الأثار الجانبية نتيجة الإدمان على الألعاب الإلكترونية لا تختلف بين مجتمعٍ وآخر.. فعلى المستوى الاجتماعي تؤدّي إلى انسحاب الطفل من بيئته ومن طفولته وأهله، من محيطه ومن المكان الذي يتشكّل فيه ذكاؤه الاجتماعي والعاطفي وهذه الألعاب تسحبه منها فبدلًا من تطبيق ما يتعلّمه على أرض الواقع يقوم الطفل بتفعيل جميع حواسه بصورة افتراضية خيالية. إنّ تأثير ذلك على الدماغ بات واضحًا بعد أن أجريت العديد من دراسات المسح على مجموعة من الأطفال وأظهرت النتائج وجود تحولات دماغية لديهم نتيجة الألعاب الإلكترونية وقد بات ذلك مثبتًا علميًا.
تضيف “الحاج”، أمّا فيما يتعلّق بالمسائل الانفعالية التي تنمو عبر التطور الزمني العمري للطفل تتبلور وتنضبط نتيجة الاحتكاك وتكوين العلاقات مع الآخر إذْ يتعلم الصواب والخطأ من العلاقات الاجتماعية ومن خلال اللّعب، وتعتبر تداعيات الإدمان الإلكتروني تمامًا كعوارض الإدمان على المواد المخدرة الأخرى وكما الإبتعاد عن المادة التي تسبب الإدمان تؤدّي إلى ظهور انفعالات وأعراض جانبية صعبة كذلك الأمر بالنسبة للألعاب إذْ يشعر الطفل بأعراض مشابهة لتلك التي تكون لدى المدمنين.
وبدورها تشير “الحاج” إلى أنّها شهدت العديد من حالات الإدمان الإلكتروني في عيادات العلاج النفسي مع الإشارة إلى أنّ هذه الحالات كانت تتلاقى مع أنواع مرضية أخرى وتحفز بذور مرضية عند الطفل. إنّ الرسائل والإيحاءات الجنسية التي يتلقاها الطفل عبر الألعاب الإلكترونية تختلف من حيث ردّات الفعل من مجتمعٍ لآخر، على سبيل المثال في مجتمعاتنا العربية قد تسبب صدمة للطفل لا سيّما وأنّها مواضيع تعتبر “تابو” لا يتطرق لها الأهل خلال التربية كونها لا تتناسب مع مرحلة الطفولة وتكون ردات فعل الأهل عنيفة باللّوم والإنفعال وتعظيم الأمور، أمّا في المجتمعات الغربية تعتبر هذه الأمور أكثر مرونة وتداولها بين الأطفال شبه عادي، لكن في الحقيقة إنّ التربية السليمة في مختلف المجتمعات لها مبادئ وأسس واحدة فلا يمكن أن ينشأ طفل بصحة نفسية سليمة إذا انخرط بالتفكير في أمورٍ لا تناسبه ولا تعنيه ففي النهاية ليس عاديًا أبدًا أن يكون لدى الطفل حشرية جنسية مبكرة حتى لا يغرق في التفكير فيها لأنه أساسًا في هذه المرحلة لديه قلق فكري، وفي مرحلة النمو يفكر ويفسر الأمور من تلقاء نفسه لذلك قد تصله المعلومات بشكل خاطئ وأثرها أصعب نتيجة عدم التربية الصحيحة.
وفي هذا الإطار تؤكّد “الحاج” على دور الأهل، فمن المهم جدًّا الوعي ثمّ الوعي، التربية عملية معقدة وحساسة. “لكن المشكلة أنّنا لا يمكننا أن نصل إلى جميع الأهل وإرشادهم وتوجيههم، لذلك من الواجب أن يبدأ كلّ شخص لديه عائلة وأسرة بمواكبة الأطفال والتفسير لهم بصورة تناسبهم وتتلاءم مع قدراتهم العقلية وتشتيت إنتباههم عمّا لا يعنيهم، أو اللجوء إلى مختص تربوي أسري إذْ أصبح المجتمع اللبناني مليئًا بالمرشدين والمعالجين ومن المهم تلقي الإستشارة منهم لأنّ التربية واجب ولو اختلفت بالأسلوب، لكن العادات والتقاليد المتأصلة بمجتمعاتنا هي واحدة ومن الضروري أن يتغذى الطفل عليها بطريقة صحيحة لمنعه من السفر نحو عالمٍ لا يناسبه وكي لا نترك له مجالًا للغرق في التفكير”.