بقلم خالد صالح
جاء في أدبنا العربي .. يُحكى أن “قردًا” دخلَ في يوم من الأيام إلى متحفٍ مليء بالمرايا، كان متحفًا فريدًا من نوعه، فالجدران والسقف والأبواب وحتى الأرضيات كانت كلّها مصنوعة من المرايا، وبمجرّد أن رأى انعكاساته، أصيب القرد بصدمة كبيرة، فقد رأى أمامه فجأة قطيعًا كاملاً من القردة التي تحيط به من كلّ مكان ..كشّر القرد عن أنيابه وبدأ بالصراخ والقفز، فردّت عليه القردة الأخرى التي لم تكن سوى انعكاسًا له بالمثل، فصرخ من جديد، وراح يقفز جيئة وذهابًا محاولًا إخافة قطيع القردة المحيط به، فقفزت هي الأخرى مقلّدة إياه، وهكذا استمرّ القرد المسكين في محاولة إخافة القردة وإبعادها من دون جدوى. في صباح اليوم التالي، عَثرَ حارس المتحف على القرد البائس ميتًا خاليًا من الحياة، مُحاطًا بمئات الانعكاسات لـ “قرد ميتٍ” أيضًا، لم يكن هنالك أحد لإيذاء القرد في المتحف، فقد قتل نفسه بنفسه بسبب العراك مع انعكاساته ..
رهان على الفراغ
لم يكتفِ رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بكل “الموبقات”التي أثارها منذ دخوله السياسة اللبنانية على “أكتاف” عمه ميشال عون ورفاقه، ولم يكتفِ بـ “قبرشمون” ونبش القبور حينها، و “تل ذنوب” وإتهامه أن السنية السياسية جاءت على جثة المارونية السياسية، و “هوبراته” واستعراضاته في طرابلس، ها هو يعمل على “حشر أنفه” في البقاع مجدّدًا . “أزهر البقاع” بقيادة سيده الجديد سماحة مفتي زحلة والبقاع الشيخ الدكتور علي الغزاوي، ليس ممرًا لمن يحمل في جعبته دومًا اتهامات التطرف والدعشنة للطائفة السنية، وليس محطة يمكن لـ “باسيل” التوقف عندها ساعة يشاء، فالمقام عصيٌّ على أمثاله، والمفتي يُدرك تفاصيل المنطقة ومشاعرها وأهواءَها، فأقفل في وجهه “ابواب الأزهر”، في رسالة صريحة وواضحة، “السنية السياسية” لم تأتِ يومًا على جثة” المارونية السياسية”، بل هي رمز الانفتاح والاعتدال والعيش الواحد.
من هنا فإن قراءة دقيقة بين سطور هذه الزيارة تشير إلى محاولات باسيل لاتزال مستمرة لكسر الطوق المفروض عليه، وباعتقاده أن البقاع “خاصرة رخوة” يمكنه النفاذ منها إلى مآربه، نظرًا لحجم “الفراغ” السياسي فيه، متناسيًا أن في البقاع قامة كبيرة اسمها “المفتي الغزاوي” الذي يعرف تمامًا كيف يُحصن واقع أهله ويقطع “دابر الفتنة” ليحافظ على تماسك المنطقة بكل نسيجها وأطيافها .
غير مرغوب فيه
لا يمكن التعاطي مع زيارة جبران باسيل البقاعية على أنها طبيعية، فهذا الرجل بتاريخه عمومًا وبتعاطيه مع الطائفة السنية خصوصًا له صولات وجولات من الحقد الدفين، تحت حجة “استعادة الحقوق”، لأنه يستخدم استعادة الماضي الكريه بأسلوب استفزازي وضيع، من دون أي مراعاة لنسيج المنطقة التي يقصدها، إذ أن جلّ اهتماماته القول بأني موجود، وقادر على التحرك أينما اشاء في الوقت الذي أشاء . لكن زيارته البقاعية مختلفة هذه المرة، فهو غير مرغوب فيه، لأن “سوابقه تسبقه” وتتحوّل زيارته إلى مشروع “فتنة متنقلة” ونبشًا للماضي وتأليبًا للنفوس والأحقاد، وللبنانيين ذاكرة تحفظ الكثير من صراعاته مع نفسه، يفتعل المشاكل بلا أي رادع، لا يقيم وزنًا لمنطقة أو طائفة أو حزب أو تيار، يعتقد دائمًا أنه على صواب والبقية مخطئون، ورغم السنوات الخمسة منذ ثورة 17 تشرين 2019 لم يقم بأي مراجعة لأدائه، بل ازداد تعنتًا و “ديماغوجية” سعيًا لمكاسب سياسية ولو على حساب استقرار البلد وأمنه وأمانه . بلغ باسيل من “الهرطقات” مبلغًا خطيرًا من خلال استخدامه خطابات الشحن المذهبي لاستثارة عواطف قاعدته، ولا ضير بممارسة شتى أنواع الكذب والتضليل واللعب على مخاوف الناس المحيطة به للحفاظ على تماسك قواعده، أيضًا لامشكلة لديه في إتباع اسلوب “السفسطة” للوصول إلى مبتغاه، لهذا فإن البقاع بأهله أولًا وقياداته ثانيًا تصدّوا لهذه الزيارة المشبوهة في توقيتها، على قاعدة أن باسيل زرع “الريح” لسنوات خلت، فحكمًا اليوم سيحصد “العاصفة” .
البقاع يعرف نوايا باسيل بالتمام والكمال، ويقف حائلًا أمام تطلعاته العنصرية ولا يمكنه حجب الشمس بالغربال، فتصريحاته مازالت تجوب سماء البقاع، ولن يسمح له بتمرير مشروعه الفتنوي هكذا بـ “شخطة قلم” أو بـ “زيارة عابرة”، فالبقاعي الأصيل يعرف تمامًا دور هذا الرجل في الحالة المذرية والكارثية التي بلغناها ولسان حاله يقول، كان للبنان الفخر الكبير بأن يكون “جبرانها خليل” فوقعت الكارثة وصار “جبرانها باسيل” ..
البقاع يقول لـ “باسيل” : عد إلى أرض الواقع وأزل حقل المرايا الذي تقف فيه !! ..
