بقلم سالي عايش- دبيّ
في عالم يسيطر عليه الإيقاع الرقمي السريع والتغيرات المتلاحقة، أتى المنتدى الدولي للاتصال الحكومي 2024 ليكون بمثابة نقلة نوعية في كيفية تواصل الحكومات مع شعوبها. هذا الحدث الاستثنائي لم يكن مجرد لقاء تقليدي، بل أشبه برحلة إلى المستقبل حيث تتلاقى التكنولوجيا المتقدمة مع الحوكمة الشفافة. من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز، فتحت الحكومات نوافذ جديدة نحو مواطنيها، ليصبح التواصل أكثر إنسانية، مباشرًا، ومؤثرًا. هذا المنتدى لم يكن مجرد انعقاد لخبراء، بل كان إعلانًا لعصر جديد في بناء جسور الثقة والتفاعل بين الدولة والمجتمع، حيث يُعاد تشكيل مفهوم التواصل الحكومي بشكل لم يسبق له مثيل.
خلال ندوته بعنوان “ما بعد العالم الافتراضي: مستقبل التواصل الحكومي”، أبرز مركز تريندز تأثير الموجة الجديدة من التفاعل الشخصي المدعوم بتقنيات الواقع المعزز على تعزيز العلاقة بين الحكومات والشعوب. وفي حديث خاص لـ”ديمقراطيا نيوز”، أشارت الإعلامية وصانعة المحتوى أمل أحمد إلى أن الحكومات باتت أكثر قرباً من مواطنيها، مما أدى إلى تعزيز الثقة المتبادلة بين الطرفين. وأكدت أن تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز قد أسهمت في تبسيط آليات حل المشكلات بشكل فوري وفعال، معتبرة أن المرونة وسرعة الاستجابة أصبحتا من الركائز الأساسية في استراتيجيات الاتصال الحكومي الحديثة.
وأوضحت أحمد أن الاتصال الحكومي أصبح أكثر وضوحاً وسهولة في الوصول إلى شرائح المجتمع المختلفة، مشيرة إلى أن استخدام أدوات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي جعل الحكومات أقرب إلى الجمهور. وتابعت أن هذه التقنيات ليست مجرد أدوات تقنية بل هي جزء من استراتيجيات تهدف إلى تقليل الفجوة بين الحكومات والجمهور، مما يجعل العلاقة أكثر شفافية ويعزز من قدرة الشعوب على التفاعل السريع مع التطورات الحكومية.
في هذا السياق، قالت الإعلامية روضة في تصريح لـ”ديمقراطيا نيوز”: “بحكم عملي في مجال الإعلام، أؤمن بأن مثل هذه المنتديات تلعب دورًا محوريًا في تقليص الفجوة بين الإعلاميين والصحفيين من جهة، وبين الجمهور والحكومات من جهة أخرى، عبر تعزيز التواصل المباشر في عصر الإعلام الرقمي. نحن في دولة المستحيل، حيث يبقى الإعلام دائمًا في المقدمة، متصدرًا المشهد.”
وتابعت حديثها قائلة: “عندما حضرت جلسة حول تقنية الـ Deep Fake، أدركت حجم الخطر الذي ينطوي على انتشار المعلومات غير الصحيحة. وسائل التواصل الاجتماعي، رغم ما تحمله من إيجابيات، إلا أنها تحمل أيضًا الكثير من المخاطر. وهنا يأتي دورنا كإعلاميين، في حضور مثل هذه المنتديات والمؤتمرات لاكتساب المعرفة والخبرة التي تمكننا من التمييز بين الحقائق والزيف، والاستفادة من الجوانب الإيجابية لعالم السوشيال ميديا.”
وأضافت: “في الماضي، كان الجاهل هو من لا يعرف القراءة والكتابة، أما اليوم، فالجاهل هو من لا يفهم معنى الإعلام الرقمي والسوشيال ميديا والذكاء الاصطناعي، ولا يُدرك ما يشهده العالم من تطور. الجهل اليوم لا يُقاس بالعمر، بل بالقدرة على فهم المستقبل الرقمي.”
وأكدت: “لقد لاحظت أن معظم الحاضرين في هذا المنتدى ليسوا من جيل الشباب، ولكن الحاجة ملحّة إلى أن نبقى جميعًا على اتصال دائم بالتطورات. لأن الثبات في هذا العصر يعني التراجع السريع في زمنٍ لا ينتظر أحدًا. علينا أن نواكب التطورات المتسارعة، وأن نثقف أنفسنا باستمرار، سواء من خلال استيعاب المصطلحات الجديدة، أو تقنيات الإعلام الحديثة، أو الأساليب المبتكرة.”
وختمت تصريحها قائلة: “الإعلام في عصرنا هذا لم يعد مجرد وسيلة تقليدية، بل أصبح أداةً قوية للتغيير والتطور. علينا، كإعلاميين، أن نبقى في الطليعة، متجددين ومتفاعلين مع التحولات السريعة، وأن نكون دائمًا على أهبة الاستعداد لمواكبة كل ما هو جديد في عالم الإعلام.”
في سياق متصل، تم استعراض تجارب عدة دول في التعاون بين الحكومات ومراكز الأبحاث لدعم جهود الاتصال الحكومي. وأكد المشاركون على أهمية هذا التعاون في تصميم وتنفيذ حملات اتصال فعالة تضمن وصول المعلومات الصحيحة وتوفير بيانات دقيقة تسهم في اتخاذ القرارات الصائبة.
وقد شدّدت الدكتورة نورة الكربي، رئيسة قسم العلاقات المجتمعية بجامعة الشارقة، على أن البيانات والاستطلاعات تعد أداة أساسية في تحليل احتياجات الجمهور وتطوير استراتيجيات اتصال مبتكرة.
في ختام المنتدى، بات واضحاً أن مستقبل الاتصال الحكومي يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا الحديثة والتفاعل الشخصي المدعوم بالبحث العلمي، حيث أكدت أحمد في حديثها لـ”ديمقراطيا نيوز” أن الحكومات باتت أقرب إلى الجمهور، مشددة على أن التقنيات الحديثة قد أسهمت بشكل كبير في بناء ثقة متبادلة مع المواطنين. وفي ظل التحديات المتزايدة، تبقى الشفافية وسرعة الاستجابة الركيزتين الأساسيتين في تحقيق اتصال حكومي ناجح ومؤثر.
وفي هذا السياق، قالت ساغيرا سونغوروفا، الإعلامية وعضو في الاتحاد الدولي للصحفيين، في تصريح لـ”ديمقراطيا نيوز”، إن المنتدى يلعب دورًا محوريًا في تعزيز الاستراتيجيات الإعلامية الحكومية وتطوير آليات التواصل على المستوى الدولي. وأشارت إلى أن المنتدى يمثل فرصة ذهبية للحكومات لفهم الاتجاهات الراهنة في مجال الإعلام والتواصل الحكومي، وذلك من خلال منصة متكاملة لتبادل المعرفة والخبرات. هذا التبادل يسهم في تمكين الحكومات من مواكبة التطورات الحديثة وتعزيز استراتيجياتها بطرق أكثر فعالية وتأثيرًا.
وأضافت سونغوروفا أن المنتدى لا يقتصر على استعراض الاتجاهات الجديدة فحسب، بل يُعد أيضًا حاضنة لتطوير استراتيجيات مبتكرة للتفاعل المباشر مع الجمهور. من خلال المشاركة في النقاشات، ورش العمل، وفعاليات التواصل، تتاح للحكومات الفرصة لاستكشاف أساليب جديدة في تحسين طرق التواصل مع المواطنين وتعزيز قنوات الحوار المفتوح.
وأكدت على أن المنتدى يُعزز من الشفافية والثقة بين الحكومات والمجتمعات، حيث إن هذا الانفتاح يسهم في زيادة مستوى الثقة بالمؤسسات العامة، ويُعزز الروابط بين الحكومات والمواطنين. بالإضافة إلى ذلك، يُقدم المنتدى تدريبات متخصصة للمتحدثين باسم الحكومات حول كيفية التعامل مع الأزمات بفعالية وكفاءة، مما يمكّنهم من مواجهة الأوضاع الطارئة بحرفية أكبر، وتحسين القدرة على إدارة الأزمات.
فيما يتعلق بالتعاون الدولي، أشارت سونغوروفا إلى أن المنتدى يجمع ممثلين من مختلف البلدان، ما يوفر منصة مثالية لتبادل الخبرات والمعرفة. هذه البيئة التعاونية تعزز من فرص تبادل الأفكار والاستماع إلى وجهات نظر متنوعة، مما يُثري النقاشات ويفتح آفاقًا جديدة للتعاون.
وأضافت أن المنتدى يمكن أن يصبح نقطة انطلاق لمشاريع تعاون دولية تهدف إلى تحسين التواصل الحكومي والإعلامي بين الدول. بفضل تكامل الجهود العالمية والمحلية، يمكن تحقيق تأثيرات إيجابية ملموسة في كيفية بناء الثقة وتعزيز الشفافية على الصعيد الدولي.