بقلم جوزاف وهبه

هنا يصحّ الكلام، بكلّ تأكيد وواقعية، أنّ حزب الله ما بعد أمينه العام حسن نصرالله سيختلف كلّ الإختلاف عمّا قبله.فالرجل طالما كان قائداً إستثنائياً، وقد استطاع أن يضع الحزب في مصاف جيوش العالم القوية، كما استطاع أن يطوّر نفوذه في الداخل اللبناني، إضافة إلى دور له مؤثّر على امتداد المحيط العربي التابع لقيادة المرشد الخامنئي، أي سوريا واليمن والعراق، وربّما في مناطق أخرى قد تتكشّف تباعاً!
أيّاً كان خليفة السيّد حسن، إبن خالته صهر قاسم سليماني الشيخ هاشم صفي الدين أو نائبه الحالي الشيخ نعيم قاسم الذي تسلّم مؤقّتاً زمام الأمور أو الشيخ نبيل قاووق الذي تزعم إسرائيل أنّها قد اغتالته، فالحزب قد فقد موضوعيّاً الكثيرمن بريقه، بمعنى أنّ عصره الذهبي قد بدأ انحداره التدريجي (وربّما المتسارع) مع إستشهاد نصرالله (سيّد العشق، في تسميته المستجدّة) الذي صنع تأثيراً عميقاً في فكر وتوجّهات واصطفافات الطائفة الشيعية، كما في الكثير من دول العالم، حيث امتلك كاريزما خاصة، كما امتلك قدرة على الخطابات الجماهيرية الجاذبة التي تجمع ما بين الحماسة وشيء من المنطق والديماغوجيا المحبّبة!
..والسؤال الكبير الذي بدأ المحلّلون والمعنيون في التداول المعمّق به:أيّ حزب، بعد رحيل الأمين العام حسن نصرالله؟
الجواب لا يمكن أن يكون معزولاً عمّا يحدث راهناً فوق الساحة اللبنانية، حيث استطاعت إسرائيل أن تكسر التوازن الذي فرضه نصرالله طيلة ربع قرن من الزمن، كما استطاعت أن تُظهر تفوّقاً إستخباراتياً غير مسبوق وصل بها إلى حدّ توجيه ضربات متلاحقة غريبة في أسبوع واحد، بلغت ذروتها (وليس ختامها..) في اغتيال نصرالله نفسه، بعد أن نجحت في اغتيال نخبة من قادته العسكريين التاريخيين أمثال فؤاد شكر وابراهيم عقيل وعلي كركي، إضافة إلى مجموعات واسعة من قادة الميدان (وقيادات عسكرية إيرانية..)، وذلك في عقر دار الضاحية الجنوبية، وفي قعر النفق الذي سبق أن تباهى به الحزب من خلال نشر فيلم ترويجي هوليوودي حوله، تشبّهاً بأنفاق غزّة التي لا تزال عصيّة نسبيّاً على الجيش الإسرائيلي!
وبشكل أدقّ، الجواب الشافي الوافي يبقى مرتبطاً بتوجّهات إيران المستجدة ما بعد بعد سلسلة الإغتيالات النوعية، وربطاً بتوجّهات الرئيس الإيراني الجديد:هل فعلاً تريد طهران إنتهاج سياسة هادئة في المنطقة، من ضمنها الحدّ من دور أذرعها العسكرية، وفي طليعتها حزب الله، أم ستستكمل الإستثمار في ما زرعته منذ العام 1980، كما جاء في رسالة الخامنئي الأخيرة في سياق نعيه “الجندي الوفي في جيش المهدي المنتظر”؟
بانتظار تبلور كلّ هذه المعطيات، تبقى هناك عدّة ثوابت لا بدّ من أخذها بالإعتبار في مقاربة مرحلة ما بعدَ بعدَ غياب نصرالله:
-أنّ معظم سرديّات حزب الله قد سقطت تباعاً في أرض الحرب الدائرة:لا توازن رعب أو استراتيجي مع قوّة جيش العدو.كلّ صواريخ الحزب لم تحمِ عائلة أو سقفاً أو قائداً واحداً، ولا حتى الأمين العام.أظهر التفوّق الإستخباراتي الإسرائيلي هشاشة أمن الحزب وانكشافه الكامل من أول قرية حدوديّة، إلى عمق الضاحية وعمق الداخل السوري، وصولاً إلى عمق طهران نفسها (إغتيال اسماعيل هنيّة، والإجراءات الأمنيّة المشدّدة حول الخامنئي..).أنّ وحدة الساحات كذبة إعلاميّة سرعان ما سقطت في الحرب على لبنان، وصواريخ الحشد الشعبي والحوثيين مجرّد إستعراضات إعلامية..والأهمّ الأهمّ أنّ أذرع إيران هي في خدمة أمن وسلامة طهران، وليس العكس!

  • أنّ سيرة القائد الراحل نصرالله لا تتكرّر بسهولة، كما لم يتكرّر القائد الشهيد الكبير رفيق الحريري، ما يعني أنّ حزب الله لن يعود كما كان، في السياسة وفي الأمن وفي إزدواجية الدولة والدويلة!
    ننتظر التحوّلات، وللأسف على بحر من الدم والدمار..ونرى!

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top