بقلم خالد صالح
ما كاد لقاء عين التينة “الثلاثي” ينتهي حتى هاجت وماجت بعض الألسن، ليس لمضمون اللقاء وما صدر عنه، بل لطبيعته التي رأى فيها البعض تجاهلًا لمكون لبناني رئيسي وأساسي، رغم أن الحقيقة تنافي هذا الاتهام، خصوصًا أن الهدف من اللقاء إحداث خرق في “جدارين” سميكين جدًا، الأول هو الحرب الهمجية التي يشنها العدو الاسرئيلي على لبنان، والثاني هو انتخاب رئيس للجمهورية .
“رئيس توافقي”، المفتاح السري للخروج من معضلة الشغور في رئاسة الجمهورية، لكن السؤال المطروح حاليًا، ما هي مواصفات “الرئيس التوافقي”، وكيف يمكن الوصول إلى “توافق” حول اسم ما واعتباره توافقيًا ؟، فالانقسام العمودي الحاد القائم في البلاد يجعل من رحلة البحث “شاقة” و “معقّدة” في ظل تباينات مختلفة لمفهوم الرئيس التوافقي .
العقدة المستعصية
تكمن معضلة اختيار الرئيس في لبنان، في ظلّ تركيبة المجلس النيابي الحالي وعدم قدرة أي من الكتل السياسية على تأمين الأغلبية، حيث أن فريق المعارضة يريدون رئيسًا بعيدًا عن دائرة حزب الله ويصفونه بـ “السيادي” وهم غير قادرين على تأمين أغلبية في البرلمان لانتخاب رئيس كهذا، بينما فريق الممانعة يريد رئيسًا يحمي ظهر المقاومة خصوصًا في هذه الظروف بعد اغتيال العدو الاسرائيلي لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، بالإضافة إلى معضلة التوافق الإقليمي والدولي على الرئيس القادم في ظل اختلاف مصالح هذه الأطراف، أو التلاقي على مفهوم واحد للتوافق .
إذًا، ثمة معضلة وعقدة مستعصية تقف حائلًا أمام إنجاز هذا الاستحقاق، لأن مبدأ “قبول الآخر” لامكان له في سياستنا الداخلية، لذلك نحن عاجزون عن السير بأي مبادرة، من هنا جاء الهجوم العنيف على اللقاء الثلاثي رغم أن البلاد بحاجة إلى تنسيق دائم بين الرئيسين بري وميقاتي بوصفهما يمثلان ما تبقّى من هيكلية رسمية تبحث وسط النار والدمار عن “ثقب إبرة” لولوج الحل والخروج من نفقي الحرب والشغور وإعادة انتظام عمل مؤسسات الدولة .
لا نية في إلغاء أحد .
بدأت الرحلة الأصعب، البحث عن “رئيس توافقي” على قاعدة “لا يموت الديب ولا يفنى الغنم”، ورغم ذلك يظلّ اسم الوزير سليمان فرنجية متقدّمًا، بينما يحظى قائد الجيش جوزف عون بفرصة كبيرة لبلوغ هذه المرتبة خصوصًا أن يُشكل نقطة التقاء بغض النظر عن بعض التحفظات التي يطلقها حزب الله، لذلك فإن النية الحقيقية من وراء اللقاء الثلاثي هي كسر الجمود في هذا الملف الشائك، والبلاد تقف على فوهة البركان وتحتاج إلى مؤسسات كاملة الصلاحيات لحراكها الديبلوماسي والإغاثي بعد موجة النزوح الكبيرة التي نشهدها .
وطالما أن الهدف من اللقاء سليم النوايا والفعل، لماذا هذا الهجوم غير المبرر من فريق المعارضة؟، وطالما أنه لا نية لإلغاء أحد وأن الباب مشرّع لنسج أطر التوافق بين الجميع، لماذا هذه الحملة الممنهجة وخصوصًا من بعض السياسيين والاعلاميين الذين يدورون في فلك “القوات اللبنانية” عليه ؟، والظرف الحالي يتطلب أعلى درجات المسؤولية والانفتاح على الآخر، وليس للمناكفات السياسية غير المجدية ونحن على أعتاب السنتين من الشغور الرئاسي .
خافوا الله في لبنان
تظل المبادرات جارية في لبنان لتحقيق تسوية سياسية لملء الفراغ الرئاسي بشخصية تقبل بها الأطراف جميعها داخليًا وخارجيًا، المشكلة القائمة أن الأطراف المتشابكة “صعدت” إلى شجرة الأزمة ولم يعد بوسعها النزول، وتطغى لغة المصالح لدى البعض على مصير الوطن دولة وشعبًا ومؤسسات، ويقبل التعطيل لأن غاياته مختلفة عن غايات الآخرين ..
خافوا الله في لبنان، وتلاقوا في شبه الفرصة الأخيرة قبل أن يحل الطوفان علينا، وتوافقوا على “رئيس” لتنطلق عجلة البلاد نحو معالجة آثار الأزمات والكارثة الأخيرة التي دمرت كل شيء في طريقها، خافوا الله في لبنان وسارعوا إلى اختيار رئيس والشروع بالخطوات الأساسية والضرورية لبدء عمليات الإنقاذ والإصلاح، وهذا لن يحدث إلا في حالة استقرار المؤسسات رئاسة وحكومة، ووجود برنامج إصلاح حقيقي يعيد لنا بعضًا من الأمل المفقود بأن يكون لنا وطنٌ ودولة ..