بقلم جوزاف وهبه

بسحر ساحر (وهو ليس كذلك) تردّد أنّ حزب الله قد فوّض (بما يشبه الكارت بلانش) حليفه في الثنائيّة الشيعيّة، رئيس مجلس النواب نبيه برّي بالبحث الجاد في انتخاب رئيس جديد للجمهورية يملأ الفراغ القاتل في تكوين الدولة، بعد أن اكتشف – بعيداً عن الخطب المتعالية والديماغوجية – أنّه لا مناص من الحاجة إلى الدولة، خاصة بعد بلوغ النزوح الداخلي رقماً يتجاوز المليون، معظمهم (إن لم لم نقل جميعهم) من البيئة الحاضنة للحزب الذي لم يفقد فقط أمينه العام (القائد الرمز التاريخي حسن نصرالله)، إضافة إلى الكادر الأساسي من قياداته، بل فقد أيضاً “الأمان” الذي كانت تنعم فيه الطائفة الشيعية، في وهم مستدام عاشته الطوائف اللبنانية تباعاً بأنّ ما يصيب الفريق الآخر لا يمكن أن يصيبها، بفعل حسابات وسرديّات تراكمت على مدار عشرات السنين، إلى أن اصطدمت بلحظة الحقيقة، وهي أنّ العدو الإسرائيلي يملك من التوحّش والقدرات العسكرية والتكنولوجيا الفائضة ما يكفي للوصول بقطاع غزّة إلى ما وصل إليه من موت وشتات وخراب، وبالتالي بلبنان إلى حالة ربّما أكثر سوءاً ودماراً، إذا ما بقيت “الرؤوس الحامية” تطمر نفسها في تراب الخرافة الدينية – السياسيّة التي لا تنفع بشيء أمام آلة القتل الفتاكة، وأمام آليّة الذكاء الإصطناعي، وهما قوّتان جبّارتان تمتلكهما إسرائيل بنجاح منقطع النظير!بسرعة فائقة تلقّف الرئيس برّي التراجع (أو المرونة) الذي أبداه الحزب (خطوة إلى الوراء..)، وأطلق مبادرته الجديدة:التخلّي عن شرط الحوار المسبق، التخلّي عن المرشح سليمان فرنجية..والدعوة لانتخاب رئيس توافقي بأكثرية لا تقلّ عن 86 صوتاً بما يعني شبه إجماع سياسي – نيابي. واستتبع المبادرة بلقاء مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووليد جنبلاط، إنتهى ببيان يتضمّن موافقة لبنان الرسمي على وقف النار وعلى تطبيق القرار 1701. كما افتتح سلسلة لقاءات مع الكتل الوسطية، أمثال التجمّع الجديد للنواب الأربعة الخارجين من التيار الوطني الحر مع النائبين نعمت افرام وميشال ضاهر، وتكتّل الإعتدال الوطني الذين سارعوا إلى تأييد “دعوة برّي” دونما البحث في “بروفايل” الرئيس المفترض حيث تكمن التفاصيل، وتكمن التجاذبات..وتكمن موازين القوى الدائرة في الميدان، من الحدود اللبنانية إلى الضاحية والجنوب والبقاع، وذلك بلا قواعد ولا خطوط حمراء، كما طالما هدّد بذلك الأمين العام نصرالله قبل استشهاده المثير!الدعوة، على أهمّيتها والحاجة الماسّة إلى تحقيقها، بقيت “عرجاء” وفق المعطيات الموضوعية التالية:

-لماذا لا يعلن الحزب بوضوح إستعداده للدخول في عملية إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبالتالي يطلب إلى رئيس تيّار المرده سليمان فرنجية الإنسحاب من السباق الرئاسي؟

-لماذا غاب المكوّن المسيحي عن “اللقاء الثلاثي” الذي عُقد في عين التينة، وهل تكفي زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى المقرّ البطريركي لردم هذه الثغرة السياسية غير المبرّرة في هذه المرحلة المفصلية؟

-ما المقصود بالرئيس التوافقي، ومَن يحدّد المواصفات، خاصة وأنّ الدول الخمس المعنية بالإستحقاق الرئاسي لم تُبدِ أيّ ردّة فعل توحي بأنّ الأمر قد جرى البحث فيه مع أطرافها؟

-ماذا لو أنّ حزب الله، وربطاً بالمعركة التي يخوضها سياسياً وعسكرياً، قد تحوّل إلى واضع للفيتو على هذا الإسم أو ذاك، وصولاً من جديد إلى “الرئيس الذي يحمي ظهر المقاومة”، فيما المصلحة اللبنانية تفترض رئيساً يحمي البلد من عدوان إسرائيل من جهة، ومن تهوّر وتفرّد المقاومة الإسلامية من جهة أخرى؟..

ربّما ما دفع الثلاثي برّي – ميقاتي – جنبلاط إلى البحث عن “رئيس” بأيّ ثمن، هو الحاجة الكبرى إلى مساعدات عربية ودولية تلبّي حاجات النازحين المتصاعدة، خاصة وأنّ الثلاثة هم في “بوز المدفع” كما يقال:رئيس الحكومة مسؤول من موقعه الرسمي.رئيس المجلس معنيّ كون الطائفة الشيعية هي التي تدفع ثمن التهجير والنزوح..وجنبلاط بدأ يدرك الكلفة الباهظة التي بات يتحمّلها الحزب الإشتراكي في الجبل، والتي لا بدّ أن تتضاعف مع مرور الوقت!..

باختصار “الثلاثي” لا يستطيع أن يستمرّ في تحمّل أكلاف النزوح، ما يستدعي البحث عن “رئيس” للجمهورية تنحصر مهمّته في جمع المساعدات من صناديق العرب والغرب..وقد سها عن بالهم القول الفرنسي الشهير Qui donne ordonne، وذلك بالتأكيد لن يُرضي – حتّى الساعة – معايير حزب الله…وهكذا نكون كمن يعود إلى نقطة الصفر!..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top