بقلم تيريزا كرم
في ظلّ العدوان الكبير الذي يمارس بحق أهل الجنوب والبقاع والضاحية، نزحت أعداد كبيرة منهم إلى مختلف المناطق اللبنانية بحثًا عن الأمان. و كون بيروت الأم الحاضنة لكل مهجّر و نازح، استقبلت العاصمة كعادتها أعدادًا هائلة من النازحين. إلا أن الاكتظاظ والاختلافات السياسية و العقائدية تجعل من الصعب ضبط الأمور بشكل كامل ، ما يستدعي اتخاذ تدابير لمنع أي تصعيد.
في مقابلة خاصة مع “ديمقراطيا نيوز” ، تناول النائب وضاح الصادق قضية النزوح إلى بيروت و مختلف المناطق اللبنانية، مشيرًا إلى أنه ” نبّه منذ اليوم الأول بضرورة تنظيم النزوح و نشر قوى الأمن بأعداد كبيرة بمؤازرة الجيش لحفظ النظام. و مع ذلك، أضاف: “لا حياة لمن تنادي.”
و أوضح الصادق أن “النزوح المفاجئ، مثل الذي يحدث بسبب الحرب أو الزلازل ، يسبب أزمة في أول أسبوع أو أسبوعين ، و تعتمد كيفية التعامل مع هذه الأزمة على قوة الحكومة وقدرتها على الاستيعاب. و في لبنان، كانت الحرب على وشك الحدوث منذ حوالي سنة، لكن الحكومة لم تكن جاهزة، على الرغم من إعلان خطة طوارئ. و أعلن “حزب الله” حينها أنه جاهز لإيواء النازحين، لكن عندما وقعت الكارثة ، تبيّن أن لا أحد كان مستعدًا”.
و أشار الصادق إلى أن “الأزمة تفاقمت وتسببت بالازدحام المروري، حيث بقي الناس عالقين على الطرقات لمدة تصل إلى ٢٤ ساعة، ولم تكن هناك مراكز إيواء جاهزة. كان من المفترض أن يتم تجميع النازحين في ساحات كبيرة مثل ملعب صيدا ، و من ثم توزيعهم على مراكز الإيواء من خلال خطة الطوارئ ، لكن الخطة لم تنفذ بشكل كامل، إذ بقي ٢٠٪ منهم على الطرقات”.
و رأى أن “المشكلة الأساسية تكمن في أن بيروت لم تكن جاهزة أبدًا، وأن المحافظة والبلدية لم تكونا فاعلتين” ، مضيفًا أن “القوى الأمنية كانت الأسوأ. بالرغم من المؤتمر الصحفي الأخير لوزير الداخلية، لم تُنشر أي قوى أمنية كافية في الشوارع. و تركزت الجهود فقط على المنطقة بين “البيال” و”زيتونة باي”، بينما باقي بيروت بقي مهملًا”..
و أكد الصادق “غياب القرار السياسي لتدخل القوى الأمنية لحفظ الأمن وتنظيم النازحين، مشيرًا إلى أن مئات عناصر أمن الدولة منشغلون بتقديم خدمات شخصية لبعض رجال الأعمال”. و أضاف أنه “لا يقتنع بتبرير وزير الداخلية بعدم قدرة القوى الأمنية على تنظيم دوريات منتظمة أو نشر ١٠٠٠ عنصر بالتنسيق مع الجيش، مؤكدًا أن حماية الأمن ليست من مسؤوليات الجيش”.
رئيس بلدية بيروت عبدالله درويش أشار في حديث خاص ل”ديمقراطيا نيوز”، الى أن “العاصمة بيروت مكتظة بالنازحين ، حيث استقبلت عددًا هائلًا منهم في جميع أرجاء المدينة نتيجة العدوان الكبير الذي أدى إلى نزوح واسع من الجنوب والبقاع والضاحية”. موضحًا أن “الإجراءات التي يجب أن تتخذ تشمل توزيع النازحين فيما بعد الى مناطق الشمال لأن بيروت تخطت قدرتها الاستيعابية”.
و تابع درويش أن “دعم النازحين يتم بتوجيه من الوزارة ، ومن خلال التنسيق مع كافة الوزارات والمحافظات ، حيث تم إنشاء غرفة كوارث أساسية يرأسها الوزير ناصر ياسين ، و هناك غرف مشابهة في كل المحافظات. في القصر البلدي تمّ إنشاء غرفة لإدارة الأزمات والكوارث تضم أفرادًا من الحرس البلدي والإداري إلى جانب ممثلين عن المنظمات الإنسانية، مثل الصليب الأحمر اللبناني، الذين وضعوا خطة خاصة لمدينة بيروت لإدارة الكارثة.” مشيرًا إلى أن “البلدية كانت تملك 35 مركز إيواء للنازحين، ولكن العدد ارتفع اليوم إلى 161 مركزًا مما يعدّ نجاحًا في إدارة الأزمة”.
و أضاف درويش أن مراكز الإيواء تُدار بالتعاون مع جمعيات و منظمات دولية مثل الأممع المتحدة لتقديم الدعم للنازحين”. مؤكدًا أن٧ “البلدية تعمل للحفاظ على انضباط النازحين، لكن أمن العاصمة ليس بيدها”، مشددًا على أن “البلدية تعتبر حكومة محلية تنسق الأمور المحلية، و ليس لها علاقة بالأمن الذي يقع٧ تحت سلطة المحافظ”.
و تابع “البلدية سلطة تقريرية تحت عهدة المجلس البلدي و رئيسه ، و سلطة تنفيذية بعهدة محافظ مدينة بيروت، حيث يجتمع رئيس البلدية و المحافظ دائمًا مع وزير الداخلية و القوى الأمنية لضمان حماية المناطق”.
و ختم درويش “رؤساء المراكز يبقون يقظين و يعملون بالتنسيق مع المجتمع المضيف لحلّ أي مشكلة بشكل فوري دون تصعيد.”
مع تفاقم أزمة النزوح في بيروت، يبدو أن التراشق بالمسؤوليات بين الجهات المعنية أصبح جزءًا من المشهد. فبينما تشير بلدية بيروت إلى أن دورها يقتصر على التنسيق المحلي و إدارة مراكز الإيواء، تلقي اللوم على الجهات الأمنية والمحافظة لعدم توفير الحماية الكافية وضبط الأمن.
من جهة أخرى، تعاني القوى الأمنية من غياب القرار السياسي للتدخل الفعّال، مما يفاقم الوضع. هذا التراشق بالمسؤوليات يترك النازحين والمواطنين في بيروت عرضة للفوضى، في وقت يحتاج فيه الجميع إلى حلول متكاملة و تنسيق مشترك بدلاً من إلقاء اللوم المتبادل!..