كتب د. قصي الحسين في “اللواء”:
الإنسداد السياسي الدبلوماسي، الذي نراه في الحرب المشدودة اليوم، التي تشنّها إسرائيل على غزة وعلى جنوب لبنان، وكذلك الضربة التي تتوعد بها إيران، وتقول عنها: إن إيران، لا تتخيّلها، فتشرع الأبواب بصورة عظيمة، لحرب طويلة وقاسية للغاية.
نرى إسرائيل، مرة تناور على الحدود الجنوبية للبنان، فتتقدم مرة، في هذه البلدة المحاذية أو تلك، ومرة تمطر الأجواء اللبنانية كافة، بالقذائف وبالصواريخ، وتجرف الأبنية والشوارع، تحاول أن تصطاد طرائدها وتحقق التقدّم في بنك أهدافها من خلال تفجير البيجر، وقتل قائد المقاومة. لا يمكن للعقل البشري، أن يتصوّر المدى المجرم، المدى الإجرامي، الذي تقوم به، تدك المجمعات السكنية بنيرانها، لتصطاد واحدا من قادة المقاومة، فتقتل عائلات بكاملها، وتند عنها أهدافها المعلنة، حالة القيادي وفيق صفا، ليست واحدة، بل هي من بين حالات عديدة، وقعت في الشمال والجنوب والبقاع وجبل لبنان. هل نعدد المجازر التي حصدت العائلات النائمة في الضاحية، في دير بلا في الكورة والمعيصرة بكسروان وجدرا والوردانية في الشوف، وغيرها.. وقادة المقاومة في مواقعهم على الحدود، يقول النائب أمين شري، واقفا، في طلعة النويري، على أطلال البناية المنكوبة المهدّمة!
دخلت إسرائيل في معركة طويلة مع حزب الله، دون أن تخرج من حرب بين يديها: حرب غزة. «إتسع الخرق على الراقع»، كما يقول المثل. وهل من ناء بحمل جبل واحد، كيف يستطيع أن يقنع شعبه، قبل أن يقنع غيرهم، بحمل جبلين إثنين: غزة وجنوب لبنان، وما بينهما من حوثيي اليمن ومن الحشد العراقي، ومن التهديدات الإيرانية الواعدة. تباركت وحدة الساحات، ما أعظمها!.. فكيف يساق الشباب الإسرائيلي، بشهوة تلمودية صهيونية من صنعة نتنياهو، إلى مذابح المعركة.
حزب الله، أكثر إقناعا، أم أكثر إقتناعا، في إعلانه الذي ذهب إليه: المعركة مع العدو في بدايتها، ومن المبكر الحديث عن الإستثمار السياسي، حتى أن «ورقة التفاهمات» الأميركية لوقف الحرب وإعادة الإعتبار للدولة اللبنانية، تنتظر النتائج على الأرض، وهي تعرف أن مراحل الحرب لا تزال في بداياتها، غير أن إسرائيل تشتدّ في ضرب الأبنية السكنية، دون خشية، لا من أميركا الضائعة، ولا من الضمير العالمي، ولا من الأمم المتحدة، ولا من مؤسساتها التي غدت مترهّلة: لا يزال مشهد أهالي النويري ورأس النبع، يهزّ النفوس، يقولون لنا: عشنا رعبا مطلقا، ولم نتوقع مثل هذه المجزرة الغادرة.
لا يفاجئنا «الحرس الثوري» بقوله، بعد اسبوعين على إغتيال السيد حسن نصرالله في حارة حريك: إنه تم العثور على جثة نيلفروشان في موقع الضربة الإسرائيلية، تحت ركام أكثر من عشرين طابقا. بينما لا يزال مصير قائد فيلق القدس في إيران، إسماعيل قاآتي، غامضا، وهو الوجه الآخر لـ «حرب الظل» التي تخوضها إسرائيل في عمق العتمة، في عمق العقل الإيراني الذي يواري المقتلة.
كل هذا، وإسرائيل تدرس ترحيل مواطنيها من عرب الـ1948، الذين تشتبه بهم، بأنهم ممن ينفذون هجمات مسلحة. فهل استيقظتها هواجسها القديمة، الجديدة، وتلك المتجددة؟!
تخوض إسرائيل في جميع الجبهات التي تفتحها على نفسها، ولهذا نراها تفعل غاياتها التآمرية. فالجيش الإسرائيلي يقوم بتعزيز وجوده في الضفة الغربية، وينشئ لذلك فصائل قتالية إضافية. ونحن لا نعرف حقا، أي حرب هي التي تخوضها إسرائيل، بعد افتتاحها العام الثاني من حربها، بمثل تلك النيران التي تؤججها. أهي حرب «إنبعاث»، أم حرب «القيامة»؟ أم حرب السيد نتنياهو، الطامح لتجديد ولايته الثانية، بحصد أعظم النتائج في الإنتخابات القادمة؟!
كل ذلك وتركيا مشغولة بتعزيزاتها العسكرية الضخمة، ترسلها إلى شمال سوريا، خشية تدهور الوضع في إدلب. وسوريا محروسة في حصن حصين: حصن الرئيس الأسد. وإيران، تشعل حربا على إسرائيل بأيدٍ، غير أيديها. وأمام كل هذا التصعيد وكل هذا الإسفاف، وكل هذا الجنون، وكل هذه الدماء، في الشرق الأوسط، فإن خشية الأميركيين واحدة: هو أن تطغى على الإنتخابات الأميركية. فقط أن تغمر الإنتخابات الرئاسية وتشوّهها.. وأما قمة «البريكس»، فهي قد نجحت في كسر «عزلة بوتين»… وهي تتحدّى ضغوط الغرب… يا للهول!
بربكم: ما هذه المهزلة!