يحيى السنوار..نهاية الحرب أم بداية جديدة لها ؟

بقلم خالد صالح

شكّلت الصور الأخيرة للشهيد “يحيى السنوار” ضربة كبيرة للدعاية الصهيونية القائمة على “تسخيف” والتقليل من قيمة “الشهادة”، وبالرغم من قساوة الخسارة والمشهد في آن، فإن سقوط “السنوار” شهيدًا في هذه الصورة، أدهش العالم الذي ظنّ أنه متوارٍ ومتحصّن بين الأسرى، ليكتشف أنه يريد “الشهادة” كما قال “بغارة من الـ F16 أو بصواريخ العدو” ونال ما أراد .

“يحيى السنوار” مهندس “طوفان الأقصى، الرجل الذي أراد العدو رأسه بأي شكل للتباهي بإنجاز ما، وكان يعرف عنه صلابته وعناده وبساطته على الصعيد الشخصي، كما أنه يميل في شخصيته وتكوينه إلى الشخصية العسكرية وليس السياسية، وهو مهندس معركة “سيف القدس” التي أطلقتها المقاومة في العام 2021 ردًا على الاعتداءات الإسرائيلية التي تصاعدت في الشيخ جراح والقدس والضفة الغربية، ومنذ ذلك الحين، كثر الحديث الإسرائيلي عن ضرورة التخلص منه واغتياله والندم على إطلاق سراحه.

اغتيال القادة

منذ نشأتها قدمت حركة “حماس” قادتها على مذبح الشهادة، وفي كل عملية اغتيال كان العدو الاسرائيلي يعتقد أنه أصاب الحركة بمقتل، لكنها سرعان ما تؤكد حماس أن “المقاومة” فكرة، والفكرة لا تموت، وأن العقيدة المترسّخة فيها ثابتة لأنها قائمة على مواجهة الطغيان والمشاريع الاستعمارية والدفاع عن الأرض والقدس والأقصى، وأن الاستعلاء الغربي سينكسر أمام الإيمان المتجذر بالقلوب والأرواح.
ربما يُسارع البعض إلى تحميل “السنوار” مسؤولية ما تعرّضت له “غزة” على مدار سنة من تدمير وتهجير ومجازر يندى لها جبين العالم، ويعتبرون “طوفان الأقصى” ونتائج هذه الملحمة السبب الرئيس وراء الحرب الدائرة في المنطقة، متناسين أن هذا الكيان الغاصب لم يترك وسيلة لطمس القضية الفلسطينية عن بكرة أبيها، ومتجاهلين أن قادة العدو مزقوا ميثاق الأمم المتحدة على مرأى العالم، وأن هذا العدو لا يحترم المواثيق الانسانية والدولية، ومتجاهلين عن عمد ربما ما قدمه الشعب الفلسطيني من تضحيات ليحافظ على روح القضية وجوهرها .
نهاية “السنوار” لن تكون “الخاتمة”، بل هي صفحة طويت من تاريخ هذا الصراع القائم بين الحق والباطل، فالأرض المباركة في فلسطين “ولّادة” لحملة الراية، راية مواجهة المحتل ومقاومته، وقد سبقه الكثيرون إلى هذا المصير المشرّف، والتاريخ سيذكره دومًا بينما سيكون النسيان مصيرًا لقاتله، صحيح أن التضحيات كبيرة والأثمان أكبر، لكن الهدف الأسمى لا يمكن بلوغه من دون تضحيات .

عقدة العدو

عندما صرح رئيس الكيان الغاصب “اسحاق هرتسوغ” أن كلّ شيء بدأ مع السنوار وينتهي معه، كان يعلم قيمة الرجل ودوره، إذ كان واضحًا منذ اليوم الأول لقيادته “حماس” من قلب غزة، أنه يحمل ملفًا ثقيلًا ومثقلًا بشتّى أنواع المشاكل لاسيما الداخلية منها، وحاول ردم الهوّة بين الحركتين “حماس وفتح” ليقينه أن هذه الخطوة تُعبّر عن تمسّك الفلسطينيين بكافة أطيافهم بحق الدفاع عن الأرض ومقاومة المحتل، وتُشكّل دعامة قوية ومتينة في هذا المسار الطويل .

شكّل مع الشهيد “صالح العاروري” مدخلًا لردم الهوة، وهدد مرارًا بأنه سيقطع رأس كل من يحاول تخريب العلاقة بين فتح وحماس، وهذا ما أثار موجة استياء عارمة في وجهه، لكنه لم يلتفت لأيٍّ منها وظل يحاول لأنه يعلم تمامًا حجم المعاناة التي يعيشها سكان القطاع والتي امتدت طوال فترة الحصار الاسرائيلي وأن السبيل لهذا هو من بوابة الوحدة الداخلية .
أُسقط في يد “العدو” ولم ينجح في تهشيم صورة “السنوار”، فالتسريب الذي حصل لجثة السنوار في أرض المعركة أظهره مقاتلًا ومقاومًا ومدافعًا عن حقوق وطنه وشعبه، فلم تنجح آلة الدعاية الصهيونية في تصويره هاربًا أو متواريًا أو متحصّنًا بين الأسرى، وكأنه كتب نهايته بيده هو لا بيد عدوه، فأتت عملية الاغتيال لتضيف على تاريخ هذا الرجل صفحة مشرقة إضافية وصفحة سوداء أخرى في تاريخ العدو .

الخلف والمصير

كثيرون يعتبرون أن اختيار الخلف للسنوار ستكون مسألة معقدة، لكن نظام حماس لم يتفكك ويمتلك هرمية مقبولة تتيح له انتاج سلطة تمسك زمام الأمور من جديد، لكن السؤال البديهي الذي يُطرح في هذه المرحلة، هل سيكون الرئيس الجديد للحركة في الداخل أو في الخارج، مع وجود ثلة من ألسماء البارزة التي من شأنها أن تتولى القيادة في هذه المرحلة خصوصًا أنه من المرجح أن تعود المفاوضات إلى الواجهة .
ما بعد الاغتيال المشؤوم هل سيكون كما قبله ؟ أم أن مسار الحرب سيختلف شيئًا ما؟، رئيس وزراء العدو أكد أن القتال لم ينته بعد، وهذا تأكيد أن المشروع الاسرائيلي التوسعي قائم وهو يريد نسف ما تبقّى من اتفاقية أوسلو، لاستكمال الحلم ببناء الدولة اليهودية، ويريد أيضًا اقتلاع المقاومة من لبنان التي تُشكل تهديدًا مباشرًا لأطماعه وأحلامه، لذلك فإن الاسم الذي سيصعد إلى واجهة “حماس” في الأيام المقبلة، سيحدد إلى شكل كبير الاتجاه الذي سنسير عليه أقله حتى بلوغ الادارة الأميركية الجديدة موقعها في أواخر كانون الثاني 2025 المقبل .

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top