بقلم خالد صالح
يقول الفيلسوف العربي الكبير “ابن خلدون” : “لو خيرّوني بين زوال الطغاة وزوال العبيد، لاخترت بلا تردد زوال العبيد، لأنّ العبيد هم من يصنعون الطواغيت”، ويقول الفيلسوف الصيني “كومفوشيوس”: “تبلغ زنة دماغ العصفور ثلاثة غرامات فقط وتراه دومًا يبحث عن الحرية، بينما يزن عقل الانسان حوالى 500 غرام وتراه يبحث عن الخنوع والاستسلام”.
منذ الثامن من تشرين الأول 2023 وبدء جبهة الاسناد في الجنوب، تداعى كثيرون في لبنان للمطالبة بتنفيذ مندرجات القرار 1701، معتبرين أن حيثيات هذا القرار تنأى بالبلاد عن أتون الحرب، على الرغم أن لبنان قام بواجبه كاملًا مما يفرضه هذا القرار، بينما ظل العدو الاسرائيلي منذ العام 2006 على نمطيته بخرق هذا القرار يوميًا، برًا وبحرًا وجوّا ..
الاستسلام أو الدمار
اندلعت الحرب بشكل كبير منذ السابع عشر من أيلول الماضي، وبلغت ذروتها مع اغتيال الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله، وتوالت الضربات المعادية على لبنان تحقيقًا لـ “بنك أهداف” معد سلفًا، وظلت الأصوات المنادية بتنفيذ الـ 1701 على حالها، والتي رأت فيه الفرصة الحقيقية لتجنيب لبنان المزيد من الشهداء والدمار وخطوات إضافية نحو الانهيار الكامل، خصوصًا مع إضافة “النزوح الداخلي” إلى جملة المعضلات التي يعاني منها .
تسارعت الاتصالات بهدف جعل العدو الاسرائيلي يخضع للقرار، لكن المفاجأة أنه رفض ذلك وأصرّ على تعديلات جذرية في حيثياته، هذه التعديلات المبنية على اعتقاده أن التفوق في الميدان سيدفع اللبنانيين إلى الرضوخ والقبول بالشروط التي وضعها، وظهرت على السطح ملامح مبادرة أميركية – فرنسية لبلورة جديدة لهذا القرار بما بات يُعرف بـ “1701 بلس” بعد إجراء جملة من التعديلات على مضمونه، بشكل يخدم مصالح اسرائيل، ويضع لبنان أمام معادلتين أحلاهما مر “الاستسلام أو الدمار” وعلينا الاختيار.
لبنان الرسمي والسياسي أعلن وفي أكثر من مناسبة أنه ملتزم بالقرار 1701 الحالي من دون أي تعديلات، بينما الجانب الاسرائيلي يريد فرض شروط قاسية تجعله يحقق من خلال الديبلوماسية ما عجز عن تحقيقه حتى اللحظة في الميدان، رغم ما ارتكبه من مجازر وتدمير ممنهج لقرى الشريط الحدودي وصولا إلى الضاحية والبقاع، ويدفع لبنان إلى ما يُشبه “اتفاقية 17 أيار” المشؤومة من جديد .
البحث عن إنجاز
مثلما رفع مكيافيللي شعار “الغاية تبرّر الوسيلة”، وقدّم بذلك للانتهازية السياسية نموذجًا يحتذيه الساسة المؤمنون بأنه لا مجال للأخلاق في الأمور السياسية، يبدو أن هذا قد أصبح النموذج الذي اتبعته الإدارة الأمريكية الحالية خاصة في منطقة الشرق الأوسط حيث تحوّلت الولايات المتحدة في عهد الرئيس بايدن إلى “خادم” مطيع للسياسة الاسرائيلية، فتحاول بكل الطرق الممكنة أن توفّر لربيبتها كل الدعم المطلوب، عسكريًا وسياسيًا، لتحقيق إنجاز ما، بعد عجزها عن تحقيق أهداف الحرب .
لذلك لم يكن غريبًا لعديد من المراقبين أن الموفد “آموس هوكشتاين” يريد ترجمة أفكار إدارته إلى وقائع من خلال إجراء بعض التعديلات على مضمون القرار، ويطلب من لبنان القبول بها تحت وابل الحديد والنار، بما يُتيح لإسرائيل الخروج منتصرة بمفعول الـ “بلس”، بعدما كان القرار بصورته الحالية على قاعدة “لاغالب ولا مغلوب”، لأن الادارة الأميركية تعتقد أن اسرائيل نجحت في تدمير “حزب الله”، وصار خطر “الصواريخ” أقل مما سبق، لهذا فإن رد اسرائيل على صواريخ إيران صار أكثر من ضرورة، وخضوع لبنان صار “تحصيل حاصل” .
لسنا عبيدًا
ولكن “انقلب السحر على الساحر”، لبنان الرسمي يرفض هذه التعديلات، ويٌصر على تنفيذ القرار كما هو بصورته الحالية ومن الجهتين معًا، لهذا تحوّلت الإدارة الأمريكية ومعها الفرنسية بكل ثقلهما إلى مجلس الأمن الدولي بمشروع قرار جديد، يسلب من لبنان “سيادته” بالكامل، خصوصًا أن مضمون هذا المشروع يضع لبنان تحت الوصاية الدولية، لاسيما في موضوع مهام قوات الطوارىء الدولية وانتقالها إلى الفصل السابع، وحريتها في التصرف في كل المناطق، بالاضافة إلى نشر قوات مراقبة دولية على طول الحدود اللبنانية – السورية لمنع وصول السلاح، ولم يقتصر الأمر على القضايا العسكرية اللوجيستية، بل طاول السيادة السياسية، لمحاولة فرض رئيس للجمهورية وتركيبة الحكومة المقبلة .
نحن دولة قائمة ولن ننصاع لمطالب العدو، إمّا الـ 1701 كما هو مع ضمانات دولية تفرض على إسرائيل تنفيذه ووقف اعتداءاتها في السلم والحرب، ولن نصنع الطغاة ونعيد تجربة 17 أيار المشؤومة، وهذا هو موقف الرئيسين “نبيه بري” و “نجيب ميقاتي”، لأنهما يعتبران أن هذه التعديلات تُشكّل سابقة خطيرة بحيث تحول المعتدي إلى ضحية وتحول الضحية إلى جلاد يتعين تقليم أظافره، وتوفّر لاسرائيل تحقيق نتائج سياسية واستراتيجية كبيرة من وراء حربها على لبنان، والذي لم يتحقق حتى اللحظة نتيجة فشلها في حملتها البرية بالرغم من كل دعايتها بحصول هذا الأمر .