النفوذ الإيراني “نتيجة” .. فما هو السبب ؟

بقلم خالد صالح

لم يكن تاريخ 20 من آذار 2003 هو البداية الفعلية لسقوط نظام “صدام حسين”، ولم يكن تاريخ 9 نيسان من السنة نفسها تاريخ دخول القوات الأميركية إلى “بغداد”، هذه المحطّات التاريخية هي البداية الفعلية لبدء مرحلة “النفوذ الإيراني” وتمدده نحو الغرب باتجاه الدول العربية، بدءًا من العراق وليس انتهاءً بفلسطين ولبنان .
هل حقًا المشكلة الأساس التي تعاني منها المنطقة هي إيران ونفوذها أو احتلالاتها كما يصفها البعض؟، أم أن النفوذ الإيراني هو نتيجة لجملة من الأسباب جعلت من طهران المرتكز الذي تدور عليه الأحداث؟، وبين النفوذ المباشر والاحتلال غير المباشر، استحوذت إيران على كمية من أوراق التفاوض من أجل غايتها الأساس “الملف النووي” .

مشاريع للتنفيذ

كان العراق هو العقبة الكبرى في وجه التمدّد الإيراني، وبدلًا من أن تلتفّ الدول العربية حول العراق بعد نهاية الحرب العراقية – الإيرانية سنة 1988، بدأت محاولة التضييق عليه، حتى وقع صدام حسين في الخطيئة الكبرى عام 1990 ودخوله الكويت في سابقة خطيرة أن تحتل “دولة عربية” “عاصمة عربية”، حينها بدأت عملية “التخلّي” التدريجي عن العراق ودور العراق في تأمين البوابة الشرقية للوطن العربي، فانتهزت إيران الفرصة عندما رأت أن أحلامها بتصدير “مفاهيم الثورة” صارت قاب قوسين أو أدنى.
شكّلت عملية التخلّي هذه بالاضافة إلى حال التخبط الذي أسهم فيه “الربيع العربي” ونتائجه، نقاط جمّة في مسار التحوّل في النفوذ الإيراني، وبالنظر إلى هذا التحوّل الكبير الذي طرأ على مسار النفوذ خلال العقود الأربعة الماضية، نجد أن هذا التحوّل حُمِلَ على عدة روافع ساهمت في تعزيزه:
1- كان لدى إيران استراتيجية واضحة المعالم ومحددة الأولويات والجهات ورزمة الأهداف .
2- توفّر البعد المؤسسي الذي وفّر العديد من المؤسسات المتآزرة والمسؤولة عن وضع الاستراتيجية حيّز التنفيذ، ضمن أدوار مرسومة ومحدّدة .
3- قدرة راسم السياسة الخارجية على توظيف القضايا محلّ الاهتمام الدولي في تحقيق اختراقات مهمّة إقليميًّا ودوليًّا، فقد سوّغت إيران تدخلها في سوريا برغبتها في مساندة الجهود الدولية في محاربة الإرهاب.
4- التوظيف السياسي للقضايا التي تحظى باهتمام شعوب المنطقة كالقضية الفلسطينية؛ بغرض توسيع نطاق النفوذ.
5- توظيف حالة العداء بين التيارات السياسية الإسلامية والتيارات الأخرى وبخاصة اليسارية من جهة، وعداء تلك التيارات مع أنظمة الحكم، واستغلال حاجة بعض هذه التيارات للتمويل، مقابل تبنّي وجهات النظر الإيرانية وتعزيز نفوذها.

غياب المشروع العربي

إزاء ما تقدّم، لا يُمكن وصف التمدّد الإيراني بالاحتلال، بل هو بسط النفوذ والتأثير القوي على قضايا الدول التي أحكمت نفوذها عليها، سواء بالمباشر أو عبر الوكلاء، وبالتالي فإن هذا النفوذ وبقدر ما هو معضلة كبرى لمشاكل الدول المعنية، فإنه “نتيجة” وليس سببًا، فالسبب الحقيقي هو التفكك العربي حيال القضايا المباشر للدول العربية، وغياب المشروع المقابل، إذ اقتصر الدور العربي فقط على إيجاد سبل الدفاع عن مصالحه في وجه التمدد الإيراني، من دون أي محاولة لإيجاد مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي يكون قادرًا على المواجهة مع هذا النفوذ .
رغم كل ما حقّقته إيران من توسع في نفوذها الإقليمي،‏ وبخاصة خلال الأعوام الخمسة عشرة الماضية إلا أنّ هذا النفوذ يواجه جملة من التحديات الحقيقية التي قد توقفه عند حدّ ما، أو تقلّصه وتدفعه للتقهقر والانحسار، ومنها:
أولًا: ولادة حالة عربية جامعة بسبب الخطورة وجدية التهديدات الإيرانية في المنطقة، واعادة تفعيل الجامعة العربية بشكل حقيقي وليس صوَري كما هي الحال الآن، واحتضان فعلي للمجتمعات السياسية العربية التي تعاني من هذا النفوذ لكبح جماحه ومنعه من تحقيق أهدافه .
ثانيًا: حالة الرفض الشعبي العربي للوجود الإيراني في الأرض العربية، ورفض المساعي الإيرانية لإحداث مزيد من الفوضى والتوتر لتوسيع نفوذها.
ثالثًا: تمتين الروابط العربية بما يخدم مصالح الدول المعنية، والتعاطي الفعّال مع قضايا الأمة والضغط باتجاه إنجاز حلول واقعية لها، واستعادة الريادة في التمسك بالقضايا المصيرية وأبرزها القضية الفلسطينية، لـ “لجم” العدو الاسرائيلي عن سعيه لتفكيك الوطن العربي والاستفراد به .

فالج لا تعالج

إن لم تجهد الدول العربية وتحديدًا الكبرى منها (مصر – السعودية) إلى بلورة مشروع عربي قابل للحياة، فإن النفوذ الإيراني سيظل يُشكل عامل تهديد لهذه الأنظمة، فهو يسعى لتنفيذ استراتيجياته وغاياته، وتكتفي الدول العربية بمحاولة “الدفاع” من دون أي رؤية تُمكّنها من ذلك، أو أي استراتيجية تُعتبر بمثابة “الهجوم”، وأن تخرج من دور “المتفرّج” إلى دور “الفاعل” الذي يُقرر، وألّا تقتصر المواجهة على التنديد واصدار التوصيفات لهذا النفوذ .
لذلك ليس علينا توجيه “الملامة” لإيران على محاولة بسط نفوذها وبلوغها حدّ التأثير المباشر والقوي في التركيبة السياسية لبعض الدول العربية، بل على الدول العربية أن تقوم بعملية “مراجعة” لكل السياسات التي اتبعتها منذ “سقوط بغداد”، حينها فقط يمكن الوقوف في وجه هذا التمدّد من خلال الحاضنة العربية الحقيقية، عدا هذا النمط من التعاطي سنظل أسرى دوامة لا خلاص منها، على قاعدة “فالج لا تعالج” .

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: