كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
فور توسّع رقعة الحرب وخروجها عن قواعد الإشتباك، منذ التفجير الكبير في الضاحية الجنوبية في 27 أيلول المنصرم، فرملت شركات إعادة التأمين العالمية التي تتعامل معها شركات التأمين اللبنانية تغطيتها لبعض البوالص في لبنان، ومن ضمنها التأمين البحري والجوي وتأمين السيارات والممتلكات، وبالتالي، تعاظمت المخاوف والتساؤلات حول الجهة التي ستسدّد التكاليف الإستشفائية في حال أصيب المؤمَّن بضرر جسدي جرّاء العدوان الإسرائيلي المستمر يومياً على لبنان والمتنقّل بين المناطق؟
لم يحل “تخفيف” معيدي التأمين حجم تغطية أضرار الحرب في كل القطاعات، دون متابعة المؤسسات البعيدة من المناطق المستهدفة من مزاولة أعمالها، فأعادت المدارس الخاصة فتح أبوابها تجنّباً لضياع الموسم الدراسي، فيما الموظفون يواظبون على مزاولة عملهم خصوصاً في المناطق المصنّفة “آمنة” فيما الغارات المتنقّلة من الجنوب الى الضاحية الجنوبية فصيدا وصور … مستمرة يومياً .
في ظلّ هذا الواقع المحفوف بالمخاطر، يطرح المواطنون كل يوم تساؤلات مُبرّرة عن الجهة التي ستتحمّل مسؤولية تعرضهم لأي ضرر ناتج عن إصابتهم أو إصابة أولادهم في المدرسة ناجم عن الحرب، ومن سيوفّر كلفة التغطية الإستشفائية. تطرح “نداء الوطن” هذه الإشكالية على شركات التأمين الخاصة: هل تتحمّل هذه الشركات العبء أو تحيله الى وزارة الصحة؟ وماذا عن معيدي التأمين الذين وضع البعض منهم حدّاً لتغطية لبنان بسبب مخاطر الحرب؟
في تجربة انفجار مرفأ بيروت الذي حصل في 4 آب 2020 ، تمّت معالجة غالبية الجرحى على حساب وزارة الصحة، أما التعويضات التأمينية المادية على الأضرار التي لحقت بالسيارات والمنازل والمكاتب، والمؤسسات والممتلكات فقد استغرق التعويض عليها بعض الوقت، لكن في النهاية، وبعد عامين، تمّ توفير تغطية نسبة 97% من الأضرار، في ظل عدم صدور أي بيان رسمي حول نتائج التحقيق وما اذا كانت اسباب الإنفجار تدخل ضمن خانة الأعمال الإرهابية والحربية أم لا. ويقول في هذا السياق رئيس جمعية شركات الضمان في لبنان أسعد ميرزا لـ”نداء الوطن” أن “معيدي التأمين في حينه، سدّدوا نسبة تتراوح بين 50 أو 60% من الأضرار الناجمة عن الإنفجار ومنهم من لم يسدّد بالكامل.”
بند الحرب في عقد التأمين
بالعودة الى التغطية التأمينية عن حالة الحرب التي نعيشها اليوم، على كلّ مؤمّن أن يعود الى بنود العقد لمعرفة ما اذا كانت بوليصته لدى شركة التأمين التي تعاقد معها تشمل الأعمال الحربية أو لا. فإذا كانت لا تشمل الحرب ويريد المضمون إضافتها قبل او بعد انتهاء صلاحية بوليصة الإستشفاء، فذلك استنسابي ويعود الى شركة التأمين التي في حال قبلت ستكون قيمة القسط التأميني مرتفعة جداً. لكن، لماذا قد ترفض شركة التأمين إدراج بند الحرب؟ الجواب، أن بعض معيدي التأمين ألغوا في عقودهم بند تغطية الأضرار الناجمة عن الحرب في لبنان منذ توسّع رقعتها لكنهم استثنوا من هذا الالغاء العقود التي كانت تتضمّن هذا البند قبل اندلاع الحرب، والتي لا يمكن استثناؤها حتى ولو انتهى العمل بهذا العقد.
بالنسبة الى تغطية الممتلكات مثل السيارات على سبيل المثال، قال ميرزا: “إن بعض شركات التأمين المحلية حدّدت مبلغاً مقطوعاً للتغطية على السيارات المتضررة كأن تكون بـ5000 أو 10 آلاف دولار.
التأمين الإستشفائي
في حال انتهت صلاحية بوليصة التأمين، وأراد المضمون إضافة بند تغطية الأضرار الناجمة عن الحرب الى بوليصة الإستشفاء، “فذلك صعب وقد لا يكون ممكناً لأن عدداً كبيراً من شركات إعادة التأمين أوقف التغطية التأمينية لها في لبنان باعتباره في حالة حرب ونسبة المخاطر مرتفعة جداً”، كما اوضح ميرزا. مشيراً الى أن “ذلك يعود الى نوع عمل طالب التغطية، فإذا كان صاحب مصنع أو شركة يريد تغطيته وتغطية العاملين فيه، يتمّ درس موقعه ونوع عمله وما اذا كان ضمن المناطق المستهدفة من العدو أو لا… “.
وحول إمكانية أخذ شركات التأمين المحلية على عاتقها توفير التغطية كما كان يتمّ التداول به في الوسط التأميني، قال ميرزا “الشركات المحلية غير قادرة على تحمّل تغطية الحرب لأن ذلك يقودها الى طريق الإفلاس خصوصاً وأننا في خضمّ المعركة والحرب قائمة والمخاطر عالية”.
لا تغطية تأمينية للمقاتلين
من جهته، أكّد مدير قسم الاستشفاء في شركة تأمين وعضو مجلس الضّمان التّحكيمي في وزارة الاقتصاد سعيد حديفة لـ”نداء الوطن”، أن غالبية بوالص التأمين الإستشفائية من حيث المبدأ، والتي صدرت في العامين الماضيين، والصادرة عن غالبية الشركات تتضمن بند مخاطر الحرب السلبية Passive war risk أي إذا أصيب مواطن بسبب غارة حصلت بالقرب منه بجروح، تشمله التغطية الإستشفائية لكن شرط عدم الإشتراك مباشرة في الحرب أي إن “المقاتلين” لا تشملهم التغطية التأمينية، ويمكن لأي مضمون التأكّد من شمول بوليصة التأمين التي في حوزته هذا البند .
وإذا لم تدرج شركة التأمين بند Passive war risk فيمكن أن يطلب المواطن إضافة تلك التغطية، والموافقة على هذا المطلب وقفٌ على شركة التأمين المحلية.
أما بالنسبة الى التأمين على السيارات، قال حديفة إن “غالبية بوالص التأمين لا تغطي حالات الحرب ولكن هناك برامج تأمينية جديدة طُرحت في السوق في الأشهر الأخيرة تغطي الأضرار الناجمة عن الحرب والأضرار اللاحقة بالسيارات في المناطق البعيدة عن ساحات الحرب المحددة في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع.
تلامذة المدارس غير مضمونين
وفي الإطار نفسه، ولكن هذه المرّة من باب بوالص التأمين التي تشتريها عادة المدارس لتغطية الحوادث التي يتعرّض لها الأولاد خلال تواجدهم في المدرسة، قال حديفة إنها “لا تشمل الحرب ويجب أن تطالب المؤسسات التربوية في مثل هذا الوضع شركات التأمين التي تتعامل معها إضافة بند مخاطر الحرب السلبية، باعتبار أن الأولاد المتواجدين في المدرسة غير مقاتلين، ولكن شرط موافقة شركة التأمين التي تأخذ على عاتقها تحمّل كلفة المخاطر”.
نقابات المهن الحرة
وعلى مقلب نقابات المهن الحرة، مثل الأطباء والمحامين والمهندسين والصيادلة… التي تكون عادة كل نقابة منها متعاقدة مع شركة تأمين خاصة على أساس سلّة متكاملة وببنود موحّدة لجميع الأعضاء، فتتضمّن بوالصها بند مخاطر الحرب السلبية.
الكلفة على وزارة الصحّة؟
بغض النظر عمّا اذا كانت شركات التأمين التي تتهرّب عادة من التغطيات، ستعترف بتغطية حالة الحرب، تبقى تكلفة المعالجة الإستشفائية لجرحى الحرب على أرض الواقع على عاتق وزارة الصحة. مع العلم أن تلك التغطية لا ينصّ عليها القانون اللبناني الذي لا يُلزم الوزارة القيام بهذا الدور، بل كما أوضح مدير العناية الطبية في وزارة الصّحة العامّة د. جوزف الحلو لـ”نداء الوطن”، أن “وزارة الصحة تتكفّل عادة بمعالجة جرحى الحرب إنطلاقاً من الناحية الإنسانية فقط وليس من الناحية القانونية، إذ إن المواطن المضمون من أية جهة كانت (تأمين خاص أو ضمان أو تعاونية…) لا يتلقى أي علاج استشفائي على عاتق وزارة الصحة”. وحول قدرة وزارة الصحة المادية على تحمّل أعباء الكلفة الكبيرة التي ترتفع مع استمرار الحرب وترجيحات إطالة أمدها في زمن الأزمات المالية والإقتصادية، قال الحلو إن “الإنفاق يتمّ من موازنة وزارة الصحة التي تمّ إقرارها في موزانة 2024 “، علماً ان الحكومة تصلها ولو بشكل محدود مساعدات طبّية من الخارج.