كتب حبيب البستاني في “اللواء”:
لقد بات واضحاً بعد الحرب الشرسة والوحشية التي شنّها العدو الإسرائيلي على لبنان، وبعد الخسائر الفادحة التي تكبّدها البلد إن على صعيد الدمار الذي وبحسب البنك الدولي فقد تدمّر أكثر من 99000 وحدة سكنية وذلك بصورة جزئية أو كلية وبلغت كلفة الأضرار حوالي 2.8 مليار دولار أميركي، ولقد تجاوز عدد الشهداء الـ 3961 شهيداً وعدد الجرحى الـ 16520 جريحاً وذلك بحسب آخر تقرير لوزارة الصحة اللبنانية. إذن بات واضحاً أنه وبالرغم من استبسال رجال المقاومة في الميدان فإن لبنان بقي مكشوفاً وبقي بدون أي غطاء دولي أو عربي عرضة للهجمات الصهيونية، وذلك منذ بدء العدوان على لبنان في 8 تشرين الأوّل 2023 وحتى 27 تشرين الثاني 2024 تاريخ وقف إطلاق النار الذي تم برعاية أميركية – فرنسية.
القرار 1701
إذن توقف القتال ودخلنا في هدنة وذلك تطبيقاً للقرار 1701 ومندرجاته الذي يقضي في المرحلة الأولى وفي مهلة 60 يوماً (بقي منها حوالي الـ 50 يوماً)، بانتشار الجيش جنوبي الليطاني جنباً إلى جنب مع قوات حفظ السلام الدولية ليصار بعدها إلى انسحاب إسرائيل إلى الخط الأزرق وانسحاب مقاتلي حزب لله وأسلحتهم إلى شمالي الليطاني. وبحسب الاتفاق يتحمّل الجيش وحده مع مؤازرة القوات الدولية مسؤولية الأمن جنوبي الليطاني، بالإضافة طبعاً إلى مسؤوليته في حفظ الأمن في كل لبنان من الجنوب إلى الشمال وعلى كافة المعابر الشرعية وغير الشرعية. وهكذا يتضح أن ما ينتظر الجيش من مهام جسام تتطلب زيادة في العديد وفي السلاح، وبالرغم من صدق النوايا والاندفاع والبسالة لجنود المؤسسة العسكرية، فإن تنفيذ كل هذه المهام ليس بالأمر السهل، ولا سيما نحن نشهد خروقات شبه يومية للعدو الصهيوني والذي تجاوزت الـ60 خرقاً حتى تاريخه وذلك بمبرر أو بدون مبرر في أغلب الأحيان. فما هي خريطة الطريق وما هو الحل لكي ينجح الجيش في مهامه وذلك على المدى القصير والمدى الطويل؟
ويبقى الجيش حامي الحمى
منذ اتفاق الطائف ومنذ بدء مسيرة الإعمار بعد الحرب الأهلية كانت النقاشات تدور حول لبنان وماذا نريده أن يكون، وتضاربت الاراء بين منطقين منطق لبنان هونغ كونغ وما يستتبع ذلك من رخاء وازدهار وإعمار، ومنطق هانوي رمز المقاومة ورمز القوة ضد العدو أياً يكن هذا العدو. وكان أصحاب المنطق الأول يعملون كل ما في وسعهم لتقليص ميزانية الجيش التي اعتبروها هدراً لا فائدة منه، بالمقابل كان الأفرقاء الآخرون يواجهون كل المشاريع الحيوية وذهبوا إلى حد مهاجمة توسعة مطار بيروت، الذي تبيّن اليوم أنه بحاجة إلى توسيع أكبر، كما تبيّن أن الجيش بحاجة إلى ميزانية أكبر بكثير من ميزانيته. وهكذا تبيّن أن كلا المنطقين سقطا، فلا لبنان قوي بضعفه ولا جدوى من بناء بلد لا يوجد جيش لحمايته، فيصبح أشبه ببناء من كرتون تلعب به العواصف.
جيش بمهمّات كبيرة وبحجم متواضع
يبلغ عدد سكان إسرائيل حوالي 9915 مليون منهم أكثر من 7600 مليون يهودي، ويبلغ عدد القوات المسلحة إذا احتسبنا الاحتياط والمجندين حوالي 1,5 مليون جندي وتبلغ ميزانية جيش العدو أكثر من 26,6 مليار دولار. أما عديد الجيش اللبناني فلا يتعدّى الـ 70 ألفاً حتى لو أضفنا إليه كل الأسلاك مع ميزانية لا تتعدّى المليار دولار وذلك إذا احتسبنا كل الهبات والمساعدات. ونحن إذا كنا نقوم بهذه المقارنة فليس للدلالة على ضعف الجيش وهذا ظلم، فنحن لا نستطيع أن نقارن بين أكبر جيش في الشرق الأوسط وأصغر بلد. ولكننا ينبغي أن نأخذ العِبَر.
الجيش القوي هو الحل
طبعاً الجيش هو الحل ولكن ليس أي جيش، بل المطلوب أن يكون الجيش قوياُ ولقيام جيش قوي ينبغي قيام الدولة، والمدماك الأول هو في إعادة تكوين السلطة وانتخاب رئيس للجمهورية يكون رأساً للدولة، وهذه الدولة ينبغي أن يكون من أولى مهامها تقوية الجيش وتأمين ميزانية كبيرة له، وذلك من طريق تأمين الموارد الضرورية وذلك باعتماد السبل الحديثة المتبعة في كل الدول وعلى رأسها تعديل النظام الضرائبي وفرض الضريبة التصاعدية، ومن ثم لا بد من إقرار التجنيد الإجباري الذي من شأنه تعزيز الجيش والمحافظة على الوحدة الوطنية. وبعد ذلك يصار إلى بحث الاستراتيجية الدفاعية التي يجب أن تكون من ضمن هذه الرؤيا. وهكذا فلا دولة بدون جيش ولا جيش بدون دولة.