كتب سامر زريق في “نداء الوطن”:
غداة الهجوم الذي نفذته فصائل المعارضة في سوريا، عادت الأضواء لتُسلّط على الشمال، ولا سيما على الإسلاميين المحافظين والعلويين، خصوصاً مع بروز تباين اعتمد على حادثتين هامشيتين، وأكثر منهما على إرث سنوات من النزاعات وسياسات الاستقطاب.
هذا الإرث بالضبط هو ما تشتكي منه النخب العلوية، والذي يصوّر طائفتهم كأنها جالية سورية، فيما هي مكون عريق ومتجذّر في طرابلس وعكار منذ قرون. بيد أن هذه الصورة، على ما فيها من إسقاطات، لم تنبع من فراغ، بل ارتسمت نتيجة عوامل وظروف معينة، لعب فيها الموقف من الرئيس السوري الدور الأبرز. والحال أن ارتباط العلويين بالأسد يتجاوز البعدين السياسي والديني، ويتخذ طابع الموروث الثقافي والاجتماعي، ويعد ترجمة لمناخ القلق الذي يبرز عند الأقليات العرقية أو الدينية، ويدفعها إلى الارتباط برموز تستمد منها القوة المعنوية.
تجاوز هذا العامل وتقديم نماذج سياسية معادية له من قبل بعض القوى السياسية، ولا سيما تيار المستقبل، دفع النخب العلوية إلى الانكفاء، على وقع استقطاب مذهبي حاد. وهذا ما أنتج هوة بين التمثيل وأرض الواقع، سعى “حزب الله”، وبدرجة أقل التيار الوطني الحر، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، إلى النفاذ من خلالها لفرض وصاية على قرار الطائفة، وتوظيف ذلك بما يخدم مشاريعهم السياسية.
فكانت النتيجة الأسوأ إتاحة الفرصة لرفعت عيد وحزبه “العربي الديمقراطي”، بما يمثل جماعة عسكرية ذات ماضٍ ميليشياوي يعود بجذوره إلى “سرايا الدفاع”، التي كان رئيسها رفعت الأسد، لاحتكار الحديث باسم الطائفة. في السنوات الأخيرة، ومع خمود حالة الاستقطاب، برزت دينامية جديدة في الشارع العلوي، قوامها التنافس بين الأخير و”عصبته”، ومجموعة من النخب التي سعت للتخلص من كل أنواع الوصايات بعد التجارب المريرة.
ينطلق كلاهما من الانتماء التقليدي السائد نفسه، إنما الفارق بينهما يكمن في عزل الفريق الثاني عن كونه المحدد للعلاقة مع الشرائح السياسية والاجتماعية. النائب حيدر ناصر الذي ينتمي إلى هذه النخب، خاض منذ دخوله البرلمان صراعاً صامتاً مع “حزب الله”، والذي أوغل بعيداً في محاولة تشييع العلويين سياسياً، وحتى دينياً. وتمكن بالتعاون مع النائب أحمد رستم من تنظيم انتخابات “المجلس الإسلامي العلوي” بعد تعطيل دام سنوات. ونجح في تحصيل عدد من الوظائف التي تبدو في ظاهرها بسيطة، إلا أنها تعزز ثقافة الدولة والمواطنة.
في المقابل، يواصل “حزب الله” دعم الفكر الميليشياوي لـ”جماعة عيد”، انطلاقاً من تفضيله الخيار الأمني في التعامل مع المكونات السياسية والدينية والاجتماعية، لإسقاط أي نقاش سياسي، كما هي حال جميع الأحزاب التوتاليتارية، حيث كفل لهم حماية قانونية شجعتهم على التوسع في ممارسات الترهيب وفرض النفوذ بالقوة. على سبيل المثال، قامت هذه الجماعة في بدايات أزمة النزوح بإرسال أحد المطلوبين بمذكرات توقيف، لإلقاء قنبلة على مراسلي بعض وسائل الإعلام، بهدف الضغط على الحكومة لانتزاع الإمرة على مراكز الإيواء. وقس على ذلك.
تُسر بعض المصادر في الشارع العلوي عن صفقة كان “الحزب” يسعى لإبرامها قبيل التحول التدميري في الحرب الإسرائيلية عليه، تقوم على إلغاء منصب “مفتي بيروت” الذي أقره مرسوم “تنظيم شؤون الإفتاء العلوي” الصادر عن الحكومة أواخر عام 2022، أو تبديل تسميته إلى “متولي شؤون الطائفة”، لاحتواء الاعتراض السني البيروتي، وتعيين أحد رجال الدين المقربين منه لشغل المنصب بمسماه الجديد. لكن الرئيس نجيب ميقاتي جمد مسارها بعدما بلغته اعتراضات النخب العلوية عليها، وعلى السعي للاستئثار بقرار طائفتهم من قبل من يعدهم “خارجين عن الطاعة”.