رسالة عاجلة لسعادة الحاكم بالنيابة الدكتور وسيم منصوري

بقلم د. طلال خواجه

في اواخر ٢٠٢٣ اعلن الدكتور منصوري وفاة التعميم ١٥١ الذي اصدره رياض سلامة في بداية الازمة النقدية والمصرفية والمالية. وكان سلامة قد ابتدع من خلال هذا التعميم نظرية اللولار او الدولار المصرفي حيث بدأه بسعر ٣٩٠٠ ليرة ثم تغير ل٨٠٠٠ الى أن تجلد على ١٥٠٠٠.
كانت حجة سلامة انذاك ان السلطة السياسية اعلنت التعثر عن دفع اليوروبوتد ولم تقر كابيتال كونترول. و في حزيران ٢٠٢١ تابع سلامة كونتروله الخاص بإصدار التعميم ١٥٨ الواسع الشهرة. شكلت بدعة لولار السلامية الوسيلة الاساسية في تنحيف وسحق ودائع المواطنين الذين لجؤوا لهيركات طوعي، سواء الذين استفادوا من التعميم ١٥٨ وعندهم ودائع في اكثر من بنك او الذين لم يستفيدوا واخضعوا لبدعة الودائع الغير مؤهلة وتركوا فرائس لاصحاب البنوك.
(لاحقا اصدر منصوري التعميم ١٦٦ ليعطي الذين استثنوا من تعميم ١٥٨ خرجية ١٥٠$ شهريا، كما وسع بالتعميم ٦٨٢ اطار الاستفادة من التعميم ١٥٨). اعلن منصوري ان الدولار هو دولار السوق اي ٨٩٥٠٠ تقريبا، معتبرا قرار المجلس المركزي خطوة اصلاحية اساسية في مسيرة التعافي النقدي. وهذا ما كان يترجم عمليا الدولرة المتزايدة في الحركة الاقتصادية المستعادة بخجل و في احتساب الاسعار والخدمات والضرائب والرسوم والجمرك، ما عدا طبعا رواتب الموظفين والمتقاعدين التي بقي اساسها على حاله مع مساعدات اجتماعية وحوافز “من قريبه”، بعضها استنسابي. و مع أن إكرام الميت دفنه إلا ان التعميم ١٥١ لم يدفن بل ظلت ملائكته حاضرة في ٢.٢٤، حتى ان بعض البنوك لجأت “لتنزيلات” عارضة في اوائل ٢٠٢٤ على اصحاب الودائع صرف ودائعهم ب ١٥٠٠٠ او ١٤٥٠٠. وطبعًا دون ان تتحرك لجنة الرقابة على المصارف ودون ان نعرف من اين تحصل المصارف على كميات الليرة. من مكاسب صيرفة ام من البنك المركزي! في أوائل ايار هذه السنة أعلن الرئيس ميقاتي في لقاء تلفزيوني أن الحكومة ستحدد في اخر ايار سعرًا جديدًا للدولار المصرفي، وللعلم فإن أحد النواب كان قد اقترح عند نقاش موازنة ٢.٢٤ ان يصبح الدولار المصرفي ٢٥ الف، فجوبه باعتراض مبدئي واسع، ولكن دون تقديم أي بديل ينفع المودعين الذين استمروا الحلقة الاضعف وتابعوا مسلسل الودائع البائسة.
لم يلتزم ميقاتي بوعده كما كان متوقعًا، ولم يلتفت أحد من المسؤولين و نواب الشعب عمليًا لمأساة استمرار سحق الودائع ب ١٥٠٠٠، و لعب تعميم الخرجية و الخوف من التضخم وتفلت الدولار دورا تخديريا عند الجميع. خصوصًا أن مغامرة حزب الله بإقحام البلد بحرب الإسناد كرمى لعيون الداهية حائك السجاد الايراني، كانت تنذر بخطر التحول لحرب تدميرية شاملة. و هذا ما قام به تمامًا نتناياهو بالوقت و الدعم المناسبين و بوحشية متوقعة زرعت الموت والدمار في البلد. واذ نسجل للحاكم بالنيابة بعض الايجابيات نحو المودعين، خصوصا خلال شهور اللهب الأخيرة، فإننا نرفع لسعادته الملاحظات والمطالب التالية.
اولا: نشد على يد منصوري برفض اعطاء الحكومة اي سلفة او دين من الاحتياط الالزامي تحت كل الظروف ولأي سبب كان، ذلك لأن الاحتياط الالزامي هو ملك المودعين، وهو يشكل نقطة ضوء لهم في اللوحة المصرفية السوداء.
ثانيا: نجدد رفضنا القاطع لبدعة الودائع المؤهلة والودائع الغير مؤهلة الغير دستورية والغير قانونية والغير اخلاقية، ونؤكد على فكرة الودائع المشروعة والودائع الغير مشروعة التي طرحها دمنصوري.
و بالمناسبة نطرح الملاحظات التالية ذ:
أ- ان التعميم ١٦٦ القاضي باعطاء غير المستفيدين من التعميم ١٥٨ خرجية ١٥٠$ شهريا يؤشر ضمنيًا لمعاكسة بدعة التأهيل السلامية.
وهنا نذكر بأن التحويل للدولار ما بعد الاغلاق الاسود للبنوك كان قد تم بمعظمه في آخر شهرين من ٢.١٩، أي حين كان الدولار يساوي ١٧٥٠ ل تقريبًا. وكفى تذاكي من بعض مؤيدي جريمة التأهيل.

اما تجارة الشيكات فمسألة أخرى، معروف أسبابها وأهدافها و أصحابها وتجارها و مافياتها.
ب: “توحيد التعميمين” – رغم ايجابية التعميم ١٦٦، الا أنه غير عادل اطلاقًا، خصوصًا أن معظم المستفيدين منه حرموا ظلمًا و عدوانًا من الإستفادة لسنوات من التعميم ١٥٨. ولا اعتقد أننا بحاجة لاختصاص في الرياضيات لنعرف حجم خسارتهم بسبب العشوائية السلامية و تجاهل و عجز السلطة الفاسدة.
لذا من البديهي أن يتطلب انصاف هذه الفئة توحيد حجم وطريقة الاستفادة من التعميمين مع تعويض معقول عن الفترة السابقة، مما قد يقتضي توحيد التعميمين عمليًا.
ثالثا: آن الأوان لوقف جريمة الدولار المصرفي وتسعير ١٥٠٠٠ الذي فتك بودائع الفئات الضعيفة خصوصًا.
و نطالب سعادة الحاكم و المجلس المركزي بالتزام قراره بتوحيد الصرف واعتماد سعر الدولار الحقيقي في المصارف، على ان يضع كونترولا للسقف المسموح الافادة منه لاحتواء التضخم. رابعًا: نطالب سعادة الحاكم بتطبيق التعاميم ١٥٨ و ١٦٦ على الجمعيات، علمًا ان بعض الجمعيات المدنية المستقلة معرضة للافلاس بسبب حجز اموالها واضطرارها الى الصرف على ١٥٠٠٠، في ظل اوضاع لا تساعد على تأمين مداخيل بديلة.
خامسًا : نطالب الحاكم ولجنة الرقابة بالتصدي للمصارف التي تبتدع مصاريف تشغيل متصاعدة و متعددة، وكأنه بات على المودع المحجوزة ودائعه زورا ان يدفع هو فائدة للمصارف.
و في الواقع فإن بعض هذه المصارف تتلاعب احيانا بتطبيق التعاميم، مستفيدة من صعوبة اللجوء للقضاء، فضلا عن الكلفة المترتبة على رفع الدعاوي والتي يعجز المودعين المسضعفين على تحملها.
سادسًا: من واجب نواب الشعب والقوى السياسية و النقابية و المدنية الدفاع عن المودعين و عن عموم اللبنانيين الذين تركوا لسلطة مافيوية فاسدة و متواطئة مع ميليشيا، نتذكر جميعا كيف قمعت بوحشية منتفضي ١٧ تشرين العابرين للطوائف والمناطق والفئات والقطاعات. و لطالما فهمنا أن التزام العمل العام يستدعي وضع الخطط وبذل الجهود واستنفار الطاقات من اجل الخير العام المستند على الحرية و العدالة، وليس فقط اطلاق المواقف المبدئية.

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top