هدر وإهمال ومخالفات أضعفت التمثيل اللبناني

كتبت جومانا زغيب في “نداء الوطن”: 

تأسست وزارة الخارجية مع حكومة الاستقلال الأولى، عندما عُين سليم تقلا أول وزير لها في 25 أيلول 1943، وكان من بين رجال الاستقلال الذين اعتقلوا في “قلعة راشيا”، علماً أن اسم الوزارة بات منذ العام 1946 وزارة الخارجية والمغتربين. ولكن شتان ما بين من تَعاقب على هذه الحقيبة من سياسيين ودبلوماسيين كبار من معيار تقلا، على غرار شارل حلو وحميد فرنجية وفيليب تقلا وشارل مالك وحسين العويني وفؤاد بطرس وسواهم، وبين معظم الوزراء المتعاقبين في ظل عهد الوصاية، وبينهم أربعة من حصة الثنائي الشيعي إلى وزراء التيار البرتقالي، والذين غالباً ما حجّموا دور الوزارة وحولوها إلى منصة للمصالح الضيقة، لا سيما بعد عهد الوزير فارس بويز الذي حافظ على حد معقول من هيبة الوزارة وموقعها بمعزل عن مواقفه السياسية.

ومن هنا يُفهم تقسيم الوزارة في العام 1995 مع استحداث وزارة للمغتربين بدفع من الرئيس نبيه بري حيث خصص لها مبنى بلغت قيمة ٍإيجاره سنوياً 350 ألف دولار أميركي، قبل أن تعود وزارة واحدة للخارجية والمغتربين، مع ولاية قياسية للمدير العام للمغتربين هيثم جمعة الذي كان يمثل مصالح الثنائي بالدرجة الأولى. ومنذ منتصف التسعينات أمسك الثنائي بالوزارة، فتراجع دورها وحضورها، وعندما تسلمها جبران باسيل، طغت المحسوبيات واخترع مؤتمر الطاقة الاغترابية بداعي جلب الاستثمارات وتشجيع المغتربين على إيداع أموالهم في لبنان، وكان ما كان من انهيار لليرة ومن ضياع أموال بين الهدر والمصالح الخاصة، ما جعل كثيرين يندمون على التجربة.

وقد مثل الوزير السابق ناصيف حتي علامة فارقة بالتزامه الأصول وهو الدبلوماسي المخضرم، لكنه لم يتحمل الضغوط والتجاوزات فاستقال، لتستمر الوزارة في ظل مدير عام يتحكم بإدارتها مستغلاً ضعف الوزارء في الفترة الأخيرة، ومستمراً منذ ثماني سنوات في موازاة محاولات فاشلة لتغييره.

ومن البوادر الأولى للخلل، عندما أصر الرئيس بري على تعيين ملحقين اغترابيين بعد استحداث وزارة للمغتربين، حيث تم تمرير هذه السابقة في مجلس النواب على رغم اعتراض الوزير بويز باعتبار أنها مخالفة للأصول، عبر ضم دخلاء إلى الملاك، مقابل استبعاد من يستحقون التدرج عبر المباراة، وقد تحول بعض المعينين إلى سفراء، ما انعكس ضعفاً في أداء الدبلوماسية اللبنانية. وما زاد في الطين بلة مبادرة باسيل إلى تعيين ملحقين اقتصاديين بما يتجاوز قدرة لبنان، بخلفية المحسوبيات، لا سيما وأنهم يتقاضون رواتب كبيرة، ما أثار بلبلة استتبعت تخفيضاً لتلك الرواتب بعد الثورة وانهيار العملة الوطنية.

ومن “البدع البدائع” استدعاء عدد من القناصل منذ نحو عام قبل انتهاء فترة السنوات السبع لانتدابهم، ليُعيَّن مكانهم ناجحون حديثاً في المباراة، فقدم القناصل المعنيون طعناً لدى مجلس شورى الدولة، وانتهى الأمر إلى قرارات استنسابية، أكدت ظواهر الخلل المتراكم والمستمر في الوزارة.

وتتوقف مصادر عليمة عند الهدر الذي شاب مالية الوزارة فترات طويلة، وكان لمعالجته أن توفر ملايين الدولارات، على غرار ما حصل في ما خص السفارة في لندن في إحدى الفترات، علماً أنه كان يمكن للبنان أن يشتري مقرات ثابتة للكثير من سفاراته بأقل من الأموال التي أنفقت على الإيجارات، وقد رفضت الخارجية أكثر من عرض وردها من سفراء أو قائمين بالأعمال لشراء المباني التي تشغلها السفارات بمبالغ مقبولة جداً، ولكن الرفض كان دائما هو الجواب.

اليوم، تعاني الدبلوماسية واقعاً متمادياً يراوح بين الغياب والحضور المتواضع، وقد آن الأوان لتواكب الخارجية اللبنانية المتغيرات الحاصلة لتستعيد ألقها ودورها في تمثيل لبنان تجاه العالم، بدلاً من تمثيل بعض الخارج تجاه الداخل وبعض الداخل تجاه الخارج.   

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top