كتبت أمل شموني في “نداء الوطن”:
يمرّ الشرق الأوسط حالياً بلحظة حاسمة في المشهد السياسي المتطور، مع وضع سوريا في قلب هذه التغييرات. وفي مقابلة مع “نداء الوطن”، تطرق ديفيد شينكر، الذي شغل سابقاً منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، وهو الآن زميل أول ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إلى هذه القضية الملحة لجهة التعقيدات التي تنتظر سوريا بعد سقوط نظام الأسد، فضلاً عن أدوار اللاعبين الإقليميين الرئيسيين، مثل إسرائيل وإيران و”حزب الله” وتركيا، في تشكيل مستقبل المنطقة. وسلّط شينكر الضوء على الآثار البعيدة المدى لهذه الديناميكيات على الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط الأوسع.
بعد سقوط نظام الأسد
استهل شينكر كلامه بالقول إن “المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، نظر لفترة طويلة جداً إلى نظام الأسد باعتباره الشيطان الذي نعرفه”. ولفت إلى “الخوف من المجهول” الذي أعاق اتخاذ إجراءات حاسمة. ورأى أنه “لم يفهم سوى عدد قليل جداً حقيقة الفظائع التي ارتكبها الأسد، وما ألحقه بالشعب السوري من عنف وقمع لا يوصفان”.
وتطرق شينكر إلى حالة “عدم اليقين الكبيرة” التي تعيشها سوريا، وقال إن “هناك الكثير من عدم الوضوح مع القادمين الجدد إلى الحكم، فالأمر مفتوح على المجهول. نعرف ما كان عليه أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، وما فعله أثناء حكمه في إدلب. لكن هناك الكثير من الأسئلة حول المسار المستقبلي لسوريا حيث لا تزال هناك أسئلة حول ما إذا كانت ستواجه حرباً أهلية، أم سنرى مشهداً تهيمن عليه فصائل وميليشيات متعددة، على غرار تجربة ليبيا”.
ولفت شينكر إلى “احتمال سيطرة نظام إسلامي قمعي على السلطة”. لكنه أعرب عن “بعض الأمل”. وقال: “على الرغم من أن الجولاني نأى بنفسه علناً عن جماعات مثل “القاعدة” و”داعش”، فإن وجهات نظره في شأن الأقليات وحقوق المرأة في الحكم تظل مثيرة للقلق. وينتظر المجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة، بفارغ الصبر توضيح هذه التوجهات”.
على المستوى الاستراتيجي، أشار شينكر إلى أن سوريا موجودة الآن في حالة متغيرة بشكل أساسي “من دون جيش تقليدي، وتفتقر إلى الأسلحة الكيماوية والصواريخ الباليستية بعيدة المدى”. واعتبر أنه “في حين أن أي نظام جديد قد يكون قمعياً، من غير المرجح أن يتجاوز الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد. والأخير، بدعم من “حزب الله” وإيران وروسيا، ارتكب أعمالاً ترقى إلى الإبادة الجماعية، ما أدى إلى مقتل أكثر من نصف مليون مدني وتشريد ملايين آخرين”.
إيران الخاسر الأكبر
وحول دور إيران و”حزب الله” في سوريا، قال شينكر: “منذ عام 2013، استهدفت إسرائيل بنشاط عمليات “الحرس الثوري” الإيراني في سوريا إلى جانب شحنات الأسلحة المخصصة لـ “حزب الله”. ومع ظهور حكومة سورية جديدة معادية لكل من إيران و”الحزب”، من المرجح أن نشهد توقفاً كبيراً في تدفق الأسلحة الإيرانية عبر سوريا، ما سينعكس على المشهد السياسي في لبنان لجهة التغييرات المحتملة في مهمات الجيش اللبناني على طول الحدود مع سوريا”. أضاف: “إن الحكومة اللبنانية، وبالنظر إلى تطور الأحداث في سوريا، لا بد أن تعيد تشكيل أهداف الجيش اللبناني لجهة تطبيق القرارات الدولية، ولا سيما القرار 1701 ومندرجاته”.
وشدّد على أن توالي الأحداث وتسارعها في الشرق الأوسط سيتطلّب التزاماً سياسياً حازماً من لبنان. وقال: “هناك حالة من عدم اليقين في شأن ما إذا كانت الحكومة اللبنانية والجيش مستعدين تماماً لتفكيك البنية التحتية لـ “حزب الله”. وتطرق إلى اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين إسرائيل و”حزب الله”، وقال إن “اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الحكومة اللبنانية نيابة عن “حزب الله” يُشير حقاً إلى ضعف قوة “الحزب”. لم يوافق الأخير على سحب دعمه لـ “حماس” فحسب، بل التزم أيضاً، من حيث المبدأ، تنفيذ القرار 1701. وأظهر استعداداً للامتثال للقرار 1559. ومع ذلك، من المرجح أن يشوب التنفيذ الكثير من الجدل”.
وفي ما يتعلّق بالسيناريو الجيوسياسي الأوسع، أكد شينكر أن “إيران هي الخاسر الأكبر في الوضع الحالي”. وشرح هذه النقطة، مشيراً إلى أنها “ضعفت بشكل كبير بسبب إضعاف شركائها ووكلائها، مثل “حماس” و”حزب الله”. وشدّد على “النكسات التي واجهتها إيران في قدراتها العسكرية أيضاً”.
وأعرب شينكر عن “الأمل في قدرة المجتمع الشيعي على تغيير الديناميكيات السياسية في لبنان”. وقال: “هناك فرصة كبيرة للمجتمع الشيعي اللبناني لاحتضان الظروف الحالية، ما قد يؤدي إلى كسر احتكار “حزب الله” لتمثيله”. أضاف: “لقد استندت هيمنة “حزب الله” إلى لى قدرته المالية والعسكرية، لكن الظروف الحالية قد تعزز صعود أصوات سياسية مختلفة داخل المجتمع الشيعي”.
وأشاد شينكر بـ “شجاعة اللبنانيين الذين عارضوا “حزب الله” من أجل الحرية والديمقراطية وبناء الدولة”، وقال: “اليوم، أفكر في اللبنانيين الشجعان الذين تحدّوا “حزب الله”، ومن المؤسف أنهم لم يعودوا معنا. إن شجاعتهم شيء يجب الاعتراف به وتذكّره”.
أولويات ترامب في الشرق الأوسط
وفي مناقشة أولويات إدارة ترامب في الشرق الأوسط، قال شينكر: “أوّلاً ، وقبل كل شيء، لا أعتقد أن الشرق الأوسط سيكون محور الاهتمام الأساسي”. وتوقع أن يتحول قدر كبير من اهتمام السياسة الخارجية الأميركية نحو تعزيز العلاقات مع الدول الآسيوية. ومع ذلك، أكد أن “توسيع اتفاقات “أبراهام” سيكون مسعى مهماً”. وذكر أن “موقع لبنان سيكون أيضاً حاسماً”، وشدّد على دور المبعوث الرئاسي مسعد بولس “الإيجابي”. وقال: “أعتقد أن الملف اللبناني سيكون حاضراً، خصوصاً في ما يتعلّق بجهود ضمان أمن إسرائيل”.
من جهة أخرى، توقع شينكر أن يخضع الملف النووي الإيراني للتدقيق، قائلاً: “بلا شك، سيتم التركيز على القضية النووية الإيرانية لجهة تجديد الضغط على طهران من خلال المزيد من العقوبات أو العمل نحو اتفاق جدي، ما يُشير إلى موقف صارم في شأن طموحات إيران النووية”.
ولفت شينكر إلى دور تركيا في المنطقة، حيث تبرز كـ “لاعب إقليمي محوري”. وشرح اهتمام تركيا بإضعاف القوات الكردية (قسد). وألمح إلى إمكانية تجديد التعاون الأميركي مع تركيا في سوريا، و”ربّما تنفيذ الانسحاب الأميركي من سوريا كما أراد ترامب القيام به عام 2018″. ورأى أنه “إذا كانت تركيا تسعى حقاً إلى موطئ قدم في سوريا، فيمكنها تحقيق ذلك، عبر حوار متجدد مع إسرائيل حول مستقبل سوريا”، مشيراً إلى “التفاعل المعقد للمصالح الذي يمكن أن يعيد تشكيل توازن القوى الإقليمية”.
أخيراً، وحول النهج المتناقض لإدارتَي ترامب وبايدن في ما يتعلق بالسياسة في الشرق الأوسط، أشار شينكر إلى أن دول المنطقة “تنتظر إدارة ترامب البراغماتية. فترامب سيركز على بناء علاقات جيدة مع الشركاء الرئيسيين في المنطقة”.