رهانات “جعجع” الرئاسية .. اللعبة المكشوفة !!

بقلم خالد صالح

يقولُ أحد السفراء العرب أنه بعد أن تمّ تكليفه برئاسة البعثة الديبلوماسية لبلاده في “اليابان”، وفور وصوله بدأ رحلة البحث عن “معلّم أو معلّمة” لتلقين عائلته أصول اللغة اليابانية، ونشر إعلانًا لهذه الغاية في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي .
في اليوم التالي للنشر، حضرت سيّدة في العقد السادس من عمرها وتقدّمت للحصول على الوظيفة، وقد حظيت برضا السفير نظرًا لوقارها ودماثتها وحشمتها وثقافتها العالية، فقَبل بها، وبدأت مهمتها على الفور، وأكثر ما لفت نظر السفير في هذه السيدة، دقّتها في مواعيدها، رغم أنها تأتي على دراجتها الهوائية، فهي لم تتأخر يومًا ولو لدقيقة واحدة، ولم تتذمر أو تتأفف، بل كانت سلسة تودي مهمتها على أكمل وجه، بالرغم من أن الراتب المتفق عليه ليس بالشيء الكثير .
ذات يوم وبعد أن أنهت حصّتها التعليمية وعزمت على المغادرة، وجدت عجلة الدراجة قد فرغ منها الهواء، ولا يمكن السير بها، فعرض عليها إيصالها إلى منزلها، فوافقت بعد إلحاح مبدية شكرها العميق، وكانت المفاجأة لدى وصوله إلى منزل المعلّمة، إذ وقف أمام “فيلا” ضخمة جدًا ذات سور مميز وبوابة كبيرة، وفي الداخل وجد ثلاث سيارات من الطراز الحديث، فسألها: هل تعملين هنا أيضًا؟، أجابت: لا، هذا منزلي، وأنا سيدته!! فسألها ثانية: ولماذا قبلت بالوظيفة رغم أن الراتب لا يوازي شيئًا أمام ما رأيت؟، فقالت: أنا لم أقبل الوظيفة لتعليمكم اللغة اليابانية، أنا قبلت بها لأعلمكم “ثقافتنا اليابانية” .. كي لا تعبثوا بها !!

براغماتية جعجع

لايزال “حلم الرئاسة الأولى” يدغدغ وجدان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ولم ينزع هذه الفكرة من رأسه منذ أن بات “مرشّحًا طبيعيًا” بعد الأزمة الرئاسية في الـ 2014، ويبدو أنه قد تعلّم جيّدًا “فن المناورة” و “المراوغة” بعد تلك التجربة، على قاعدة “ابنك لا تعلموا، الدّهر بيعلموا”، وعليه فإن كل ما فعلته وتفعله “القوات اللبنانية” حاليًا خلال الفراغ الحالي من ترشيح لهذا هنا، ودعم لذاك هناك، هو من باب “اللف والدوران” بهدف المماطلة ريثما تحين اللحظة المناسبة، محليًا وإقليميًا ودوليًا، للإعلان عن مرشّحها “الوحيد”.
يُدرك “جعجع” أن فرصَ وصوله إلى كرسي الرئاسة معقّدة، لكنه لايزال يُراهن على تقاطعات كبيرة قد تطرأ على المشهد الداخلي أو الاقليمي قد تدفع بعجلة حلمه إلى الدوران باتجاه بعبدا، لذلك اعتمد سياسة “التريّث” و “النفس الطويل”، مصوّبًا معركته ضد الآخرين، ومعتمدًا على سياسة “حرق الأسماء” واحدًا تلو الآخر من جهة، ومحاولة إبعاد “فرنجية” من السباق بأيّ شكلٍ من الأشكال من جهة ثانية، بالاضافة إلى عدم تبنّي ترشيح قائد الجيش جهرًا من ناحية ثالثة.
يُمارس جعجع سياسة “البراغماتية” في هذا المجال، فهو يُدرك أنه متى أعلنَ ترشيحه مباشرة، فإن ذلك سيجعل الفريق المناوىء لمشروعه يزدادُ تمسّكًا بمرشحه، والكلمة الفصل ستكون لـ “المجلس النيابي”، وهو يعرفُ أن حظوظه في نيل تأييد الكتل قد لا تتعدّى الـ (31 صوتًا)، وهو مجموع أصوات فريق المعارضة، وعليه فإنه يَلعب دور “الزاهد” في الموقع ويطلق شعارات “المواصفات” ريثما تفرغ “الساحة المارونية” من الأسماء الكبيرة، فلا يبقى “في الميدان إلا حديدان”، بينما يلعب فريقه السياسي المحيط به، دور “التسويق” له ولقدرته على انتشال البلاد من أزماتها، نظرًا لحيثيته المسيحية أولًا ولمواجهته “حزب الله” التي اقتصرت حتى اليوم على المواجهة الاعلامية لا أكثر ..

شروط فاضحة

هل سأل أحدنا نفسه، لماذا إصرار “جعجع” على سحب ترشيح “فرنجية” كشرط للموافقة على دعوة الرئيس نبيه بري للحوار؟، ولماذا لم يُطلق موقفًا واضحًا أسوةً بـ “جنبلاط” بدعم ترشيح العماد جوزف عون؟، ولماذا يُعبّر عن “تقيته” في هذا الشأن، بينما كبار المسؤولين في حزب القوات اللبنانية لم يتركوا مناسبة إلا وأكدوا فيها أن “جعجع” هو القادر على تولي منصب الرئاسة الأولى وقيادة البلاد نحو برّ الأمان؟.
في تدقيق عميق في أداء “جعجع” وحزبه، نُدرك أن تجربة الـ 2014 قد أعطتهم دروسًا في عملية بناء المشروع، نحو تحقيق الغاية المثلى، لذلك لاضير باستخدام كل الوسائل المتاحة لبلوغها، فرسموا طريقهم بعناية شديدة، وهذا حقٌ مشروع طالما أنهم يُشكلون “قوة” مسيحية عريضة، لكن التساؤل المشروع أيضًا، لماذا هذه “الرمادية” في طريقة التعاطي مع الحلفاء قبل الخصوم؟، ولماذا هذا “التردد” في إعلان الموقف بشكل صريح؟، فالشروط التي وضعتها القوات اللبنانية لأيّ مرشّح تريد أن تتبناه، لا تنطبق إلا على “جعجع” وهذا الأمر قد فضحهم .
“احترموا ثقافتنا” فنحن نملك ما يكفي لقراءة ما تُخفونه بين سطور أدائكم في هذا المنحى، “احترموا ثقافتنا” فليس من المسموح لكم أن تعبثوا بها تحقيقًا لمآربكم، “احترموا ثقافتنا” وثقافة اللبنانيين جميعهم وأعلنوا ترشيحكم الحقيقي بدلًا من اللعب على وتيرة حرق الأسماء ميمنة وميسرة، “احترموا ثقافتنا” كي نحترم ثقافتكم لأنه في هذا المقام من المواجهة لا يجوز استخدام تعبير “السياسة فن الممكن”، وكفاكم “الغناء على ليلاكم” تحت حجة الغناء على ليلى البلد ..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: