“أعلام الممانعة” الحائر .. تغطية السموات بالقبوات !!

بقلم خالد صالح

يقول الأديب السوري الكبير الراحل “محمد الماغوط” في روايته الخالدة والساحرة “سأخون وطني” والتي جسّد فيها واقعنا بصورة تراجيدية : “الخمرُ يلعب برأسي وزوجتي تلعب بجيوبي والبقّال يلعب بحساباتي، وأكثر من زعيم سياسي يلعب بمصيري، فماذا نفعل عند هؤلاء العرب من المحيط إلى الخليج؟.
ويضيف: ” لقد أعطونا الساعات وأخذوا الزمن، أعطونا الأحذية وأخذوا الطرقات، أعطونا البرلمانات وأخذوا الحرية، أعطونا العطر والخواتم وأخذوا الحب، أعطونا الجوامع والكنائس وأخذوا الإيمان، أعطونا الحراس والأقفال وأخذوا الأمان، الوحدة الحقيقية القائمة بين العرب هي وحدة الألم والدموع، السلطة تراقب الشعب، والشعب يراقب السلطة، واسرائيل تراقب الجميع.
ويقول أيضًا: عمرها ما كانت مشكلتنا مع الله، مشكلتنا الحقيقية مع الذين يعتبرون أنفسهم بعد الله، اتفَقوا على توحيد الله و تقسيم الأوطان، حين يصبح للإنسان قضية، لابد أن تتبعها اضبارة أمنية، حتى بدا أن تحرير العقل العربي أصعب من تحرير فلسطين .. يا إلهي، كل الأوطان تنام وتنام، وفي اللحظة الحاسمة تستيقظ، إلا الوطن العربي فيستيقظ ويستيقظ، وفي اللحظة الحاسمة ينام، الصمود والتصدي، صمود على الكراسي والتصدي لكل من يقترب منها، عندنا اقتصاد وطني، صناعات وطنية، تربية وطنية، أحزاب وطنية، مدارس وطنية، أناشيد وطنية، أقلام وطنية، دفاتر وطنية، مدافئ وطنية، بترول وطني، أحذية وطنية، شحاطات وطنية، حمامات وطنية، مراحيض وطنية، ولكن ليس عندنا وطن” ..

لستم أفهم من غيركم

ما دفعني إلى اقتباس هذه البداية من “الماغوط” هو واقعنا اللبناني المتعالي كالسنابل الفارغات رؤوسهن شوامخ، ندّعي المعرفة بكل شيء، و “نحشر” أنوفنا في كل شيء، ونبدي رأينا كأنه الحقيقة المطلقة بكل شيء، لاسيما “إعلام الممانعة” الذي يعتقد نفسه “أفهم” من غيره، ينتقد العاديات والموريات، يُفلسف القضايا كأن ما يعرفه هو الوقائع الدامغة، وبقية الأمور من “السفائف” الصغار لا محلّ لها من الإعراب في قاموس التطورات.
ما كادت “الثورة السورية” تحطّ رحالها وأسفرت عن هروب مخزي لـ “الأسد”، حتى تحوّل “إعلام الممانعة” بقدرة قادر إلى تقنيات “البحث” عن كل ما ينال من هذا الحدث التاريخي، وسارع إلى تكليف “القيادة الجديدة” بكل ما صمت عنه الأسدين طوال نصف قرن، يريدون منها الإصلاحات والثورة قامت لأجلها، يريدون مواجهة إسرائيل، وعبارة “الزمان والمكان المناسبين” صارت “ترند” للسخرية، يريدون من “قيادة” وليدة منذ ثلاثة أسابيع أن تُحيل سوريا إلى “مدينة فاضلة” بعد أن عاث بها “محورهم” لأكثر من عقد من الزمن .

شيل منك حط فيّ

“إعلام الممانعة” المؤدلج وفق سرديات يراها حقًا حتى لو أثبتت كل التطورات عقم مفاهيمها، يبحث عن أعذار لإخفاقاته فيوارب الحقائق بأسلوب صار مبالغًا فيه، ويحاول تسليط الضوء على أي حدث “سلبي” تشهده سوريا على أنه النتيجة المتوقعة لسقوط “نظام الأسد”، وكأن سوريا كانت في زمن العهد البائد تعيش الرخاء الذي لا يضاهيه رخاء، وأن “الثورة” هي التي ارتكبت المجازر والمقابر الجماعية والسجون المظلمة والظالمة في طول سوريا وعرضها، كالمثل الشعبي “شيل منك وحط فيّ” ..
يُدرك “إعلام الممانعة” أن قيادة جديدة في سوريا لا تحاكي رؤيتهم ولا تتماشى مع تطلعاتهم، يعني فقدان الركن الأكبر في زوايا المحور، وأن طريق طهران – بيروت لم تعد سالكة كما كانت من قبل، لكنه يُكابر ويكابر ويعمد عن سابق تصوّر إلى كيل الاتهامات، ويعرف أن “أحجار الدومينو” ستتساقط تباعًا، لذلك يُحاول من خلال ما يقوم به منذ الثامن من كانون الأول هو “تغطية السموات بالقبوات”، محاولة يائسة لتظهير بعض الحسنات لنظام مجرم مستندًا فقط على بعض الثغرات التي قد نشهد مثيلًا لها في أكثر الدول أمنًا وأمانًا واستقرارا .
يتناسى “إعلام الممانعة” ما يعيشه لبنان من واقع كارثي على مختلف المجالات ويصوّب على قضايا تشهدها سوريا، يتناسى ظروفنا السياسية المعقّدة وعجزنا عن إدارة أنفسنا، ويهاجم قيادة سوريا الجديدة التي نجحت في بلورة مشروع لذاتها، يتناسى عجزنا عن انتخاب رئيس للجمهورية منذ سنتين ونيّف ونعيش تحت سلطة “حكومة تصريف أعمال” ويبحث عن أي ثغرات لقيادة نجحت في زمن قياسي في رسم معالم واضحة للنهوض بالدولة المدمرة .
أتركوا “سوريا” لشأنها فهي أدرى بشعابها، اقتنعوا أن سوريا القوية وعلاقاتها مع لبنان – كل لبنان – على قواعد الاحترام المتبادل بين الدول قوة لنا ولهم، والتفتوا نحو مشاكلنا التي تكاد لا تبقي ولا تذر، وتعاملوا مع الواقع الجديد بأن “نظام الأسد” ولى إلى غير رجعة وإلى الأبد، وكفاكم إثارة النعرات فهي لا تجلب لنا إلا الويل والثبور وعظائم الأمور، فلدينا وطن يحتاجنا في كل المجالات ويتطلب منا إبداء كل اهتمام ومتابعة لبقائه قبل أن “تقع الفاس بالراس” ..
يقول الشاعر بشار بن برد:
إن التي كانت هـواك فأصبحت
تحت السفائف في الثرى المتلبّد ..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: