كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
تشكّل الانتخابات البلدية والاختيارية المحدّدة في أيار، بعد سنتين من التمديد بفعل التقاء مصالح القوى السياسية على تأجيلها، هرباً من التغييرات التي ستطالها، نقطة الانطلاق الأولى للعهد الجديد في انتظام عمل المؤسسات والإدارات. وستكون الانتخابات البلدية بعد تشكيل الحكومة ،”بروفة” للانتخابات النيابية العام المقبل.
وأرخى تأجيل الانتخابات البلدية بظلاله على المشهد السياسي والإنمائي في لبنان، حيث أدّى غياب المجالس المنتخبة إلى تفاقم الأزمات المحلية وتراجع مستوى الخدمات، في وقت كانت البلاد بأمسّ الحاجة إلى إدارة محلية فعّالة لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية. وبرّرت القوى السياسية التأجيل بذرائع الوضع الأمني وغياب التمويل والشغور الرئاسي. إلا أن هذه الحجج لم تكن كافية لإقناع العائلات وعشائر وأبناء القرى والبلدات، الذين يرون في التأجيل محاولة لتجنّب الأحزاب خوض الاستحقاق في ظل انقسامات سياسية وتراجع شعبي.
اليوم، ومع تشكيل الحكومة وانتخاب الرئيس جوزاف عون وتشديده في خطاب القسم على تطبيق اللامركزية الإدارية، أصبحت الانتخابات البلدية اختباراً لقدرة القوى السياسية على تحمّل مسؤولياتها وتجاوز الحسابات الضيقة، لإعادة تفعيل دور السلطة المحليّة.
وبينما تنهمك القوى السياسية باستشارات تشكيل الحكومة، على أن تتهيّأ بعدها لإنجاز الانتخابات النيابية والبلدية، بدأت العائلات والعشائر تهمس بالتحضير لخوض غمار هذه الانتخابات، والتي ستمثل التحدي الأول بعد كل المتغيرات التي حصلت في الداخل والمحيط، وما ترتب عنه من إعادة تحالفات وتموضعات سياسية وشدّ عصب مذهبي، قد ينتج مجالس جديدة في بعض البلدات، ويبقي القديم على قدمه في أخرى مضافاً إليه تكريس شعبية بعض الأحزاب، ما يشكّل مقياساً تُشرّح على مقصلته نتائج الانتخابات النيابية المقبلة.
تترقب بلدات محافظة بعلبك الهرمل وقراها الإعلان عن إجراء الاستحقاق البلدي في موعده، لتبدأ القوى والعائلات والأفراد ترجمة مداولاتها في الجلسات والصالونات حول خوض المعركة بعد انتظار دام تسع سنوات، تبدلت خلالها موازين وتركيبات، وتراجعت معها أسهم بعض الأحزاب لصالح عشائر وعائلات. وستسنح الفرص في الانتخابات المرتقبة لاستعادة الدور التنموي للمجالس البلدية، بعد أن أصبحت البلديات حكراً على أحزاب تستعملها في تمويل نشاطاتها الحزبية، وجوائز ترضية للعائلات بعد تفانيها الحزبي والولاء المطلق.
تستحق بلدات البقاع الشمالي وقراه، وفق ما يردد عدد كبير من الناس، تجربةً أفضل من الأداء البلدي الحالي. وعليه تستعدّ لخوض الاستحقاق ليس من باب مواجهة “حزب الله”، بل من منطلق أن المنطقة لا بد أن تواكب المرحلة الجديدة التي يمرّ بها لبنان، ويكون الإنماء عنوان العمل لا المحاصصة والمنفعة. ويغلب على عدد كبير من البلدات التوجّه السياسي والطائفي ذي اللون الواحد، ما يخفّف من المنافسة الحزبية وحصرها ضمن الإطار العائلي. وتستعد بلدات أخرى كمدينة بعلبك، دورس، الفاكهة – الجديدة، لـ “أمّ المعارك” لما تحمله من رمزية وتعددية طائفية وحزبية.
وتشير مصادر متابعة لـ “نداء الوطن” إلى أن “حزب الله” وغيره من الأحزاب على اقتناع بأن الاستحقاق حاصل في موعده، مع فارق أن “الحزب” لا يزال يرتّب بيته الداخلي، من خلال دفع تعويضات للوحدات المدمّرة كلياً وجزئياً، وتأمين بدل الإيواء والفرش لمدة سنة، إضافة الى التصليحات، وكلّ ذلك يحتاج وقتاً وجهداً. وقد يدفعه ذلك إلى الطلب بتأجيل الانتخابات شهرين أو ثلاثة لحين وضوح الصورة في الجنوب وانسحاب الجيش الاسرائيلي، إضافة إلى معرفة الصيغة التي سيتم على أساسها إجراء تلك الانتخابات في القرى الجنوبية المدمرة. كذلك يشكّل ملف إعادة الإعمار قوّة ضاغطة لا يمكن تغافلها من الحكومة العتيدة والأحزاب كافة. وعليه هناك تشكيك في إجراء الاستحقاق في أيار”.
وتضيف المصادر إلى أنّ “رهان البعض على خسارة “الثنائي” بعض المجالس البلدية في غير مكانه. وما يحصل منذ نهاية الحرب، مروراً بالانتخابات الرئاسية والتكليف الحكومي، يوحّد الشيعة حول “الثنائي” تحت شعار الإقصاء والاستهداف. ولا يمكن البناء على محاولة كل الشخصيات تقديم نفسها ضمن الطائفة، فاعلة في مناطقها. وسينسحب هذا أيضاً على الانتخابات النيابية التي لن تكون صورتها وردية كما يظن هؤلاء”.