
بقلم جوزاف وهبه
لم يعد لرئيس تيّار المردة سليمان فرنجيّة ما يخسره، فقد بات يصحّ عليه القول أنّه قد “خسر الدنيا والآخرة” في وقت واحد:من رئاسة الجمهورية الموعودة مذ دخل الرئيس ميشال عون إلى قصر بعبدا بدعم قويّ من الأمين العام الراحل لحزب الله حسن نصرالله.. إلى خروج الرئيس السوري بشار الأسد من قصر المهاجرين، هارباً إلى منفاه الأخير في موسكو.
لقد خسر “الحليف” الذي كان يردد على مسامعه “أنت عين والجنرال عين”، كما خسر “الصديق” الذي بقي وفيّاً لخطّه حتّى الهروب المثير!
في وقت قصير، إكتشف سليمان فرنجيّة أنّه بات “وحيداً”:لا حليف يتّكئ على قوّته ووعده الصادق، ولا صديق يلجأ إليه في وقت الشدّة..فما العمل؟..
السياسي المحنّك وذو التجربة الطويلة – وهو كذلك – لا بدّ أن يعيد حساباته (وقد بدأ..)، وأن يعيد تموضعه السياسي من جديد، خاصّة وأنّه لم يترك الكثير لوريثه (النائب طوني فرنجيّة)، بل بالعكس خلّف له “إرثاً ثقيلاً” يمتدّ من الضاحية الجنوبية في بيروت، إلى حيّ المزّة في قلب دمشق..فما الذي يفعله الآن؟..
لن يغفر سليمان فرنجية للثنائي الشيعي تخلّيهم السريع عن ترشيحه، لا بل تأييدهم بالأصوات الحاسمة لمنافسه الرئاسي الجنرال جوزيف عون، الذي ما كان له أن يحصل عل ثلثي أصوات مجلس النواب لولا أوراق نواب كتلتي الوفاء للمقاومة والتنمية والتحرير.
لقد تركوه في منتصف الطريق، تماماً كما فعلوا بالرئيس نجيب ميقاتي الذي بخلوا عليه بأصواتهم، ما كان يرفع محصّلة أصواته من 9 إلى حوالي 40 أو 50 صوتاً، وهي بالطبع أصوات لن تغيّر في تكليف القاضي نوّاف سلام، ولكنّها كانت كافية لتنمّ عن نوع من “الوفاء” لم يلتزموا به، لا مع فرنجية ولا مع ميقاتي!
في التصويت الحكومي، خرج فرنجية باكراً على إرادة “الثنائي”.فهو أعلن مسبقاً، على لسان النائب فريد الخازن أنّ “التكتّل الوطني المستقل” حرّ من أيّ التزام، مترجماً ذلك بقرار “عدم التسمية” خلال الإستشارات الحكومية الملزمة.وقرار “عدم التسمية” لم يكن موجّهاً ضدّ الرئيس ميقاتي، وإنّما ضدّ الثنائي الشيعي تحديداً الذين غدروا به، كما يرى هو في سياق ما جرى ويجري!..
خلال الإستشارات الحكومية الجارية، حاول مفاوضو الثنائي الشيعي أن يمرّروا عبر الإعلام أنّهم “يطالبون بحقيبة وزارية للمردة”، فما كان من المكتب الإعلامي للمردة إلّا أن ردّ ببيان عالي النبرة جاء فيه “إنّ أيّ تمثيل للتكتّل الوطني المستقل في الحكومة يكون مبنيّاً على التمثيل النيابي و الحضور الشعبي و السياسي، و أيّ كلام غير ذلك لا يعنينا كما أنّنا لن نقبل به”..
سليمان فرنجية لم يعد يريد “منّة” من حزب الله أو من رئيس المجلس النيابي.”حبل الصرّة” قد انقطع، مع إنقطاع دعم ترشيحه لرئاسة الجمهورية، و التخلّي عنه في البازار السياسي الكبير، علماً بأنّهم هم (الرئيس نبيه برّي شخصيّاً) الذين بادروا إلى إعلان ترشيحه دون استشارته في التوقيت المناسب، و هم الذين سحبوا هذا الترشيح “بلا شورى ولا دستور”!
أمّا التحوّل الكبير إنّما يكمن في اليافطات المعلّقة في عدّة أماكن من أنحاء طرابلس، موقّعة باسم “أصدقاء طوني فرنجية”، و تحمل صورته جنباً إلى جنب مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في إشارة غير قابلة لأيّ لُبس إلى الإنتقال نحو تموضع سياسي جديد بعيد عن “محور الممانعة” بشكل عام، و بعيد عن الثنائي الشيعي بشكل خاص.
“الوالد” سليمان فرنجية أدّى قسطه طابشاً لما يُسمّى “الخطّ الوطني” ولم يحصد سوى الريح، وقد آن لنجله “طوني فرنجية” أن يرسم مستقبله السياسي من خارج دائرة ومواقف والده، و أن يبحث عن تموضعات جديدة تُخرجه من نوع من العزلة أوصلته منفرداً إلى البرلمان في الإستحقاق النيابي الأخير، بعد أن كان نفوذه يمتدّ من داخل زغرتا (نائبان من أصل ثلاثة) إلى الكورة (النائب الراحل فايز غصن) و البترون وعكّار (النائب السابق كريم الراسي)!..