سعد الحريري و”الوقت الحلو” .. عندما نكسبُ الرهان !!

بقلم خالد صالح

تحتَ المطر قبل سنةٍ بالتمام والكمال .. في ذلك اليوم الكبير وأمامَ الآلاف من محبّيه وأنصاره ومريديه، وقفَ الرئيس “سعد الحريري” وكأنّ السّماء أرادت أن تحجبَ دموعَه فأمطرت بغزارة، مثلُ ذلكَ الدّفق من المحبّة التي غمرت “الضريح” من الجهاتِ الأربعة، ليقولَ لهم “قولوا للجميع أنكم عدتم إلى الساحة، ومن دونكم ليس هناك بلد ماشي .. نبض ‏البلد هنا، حافظوا على النبض، حافظوا على البلد، ونحن سويًا وأنا إلى جانبكم .. وكل ‏شي بوقتو حلو”..
العوام يُردّدون دومًا “كل شي بوقتو حلو”، هذه العبارة على بساطتها، تحملُ الكثير من المعاني الكبيرة والمعطيات الوفيرة، لأن المساحة الزمنية مهمّة جدًا في “نموّ” الأشياء، لذلك يقول أحد الفلاسفة: “لاشيء أقوى من فكرة جاءَت في وقتها”، فالتفاحة إذا اينعت ونضجت، سقطت من تلقاء نفسها، وكأنّها فكرة استوفت شروط خروجها إلى العلن .
يقولُ مولانا “جلال الدين الرومي” في القاعدة الـ 37 من كتابه “قواعد العشق الأربعون”: “إن الله مواقيته دقيقة، إنه دقيقٌ إلى حدّ أن ترتيبه وتنظيمه، يجعلان كلّ شيءٍ على وجهِ الأرض يتمّ في حينه، لاقبلَ دقيقة ولابعدَ دقيقة، والساعة تمشي بدقّة شديدة بالنسبة للجميع بلا استثناء، فلكلّ شخص وقتٌ للحبّ ووقتٌ للموت”، من هنا نقول إذا سحبتَ الخبزَ من الفرن قبل نضوجه سيكون عجينًا يُتعب المعدة، فالفرصة لن تأتيكَ إلا إذا كنتَ جاهزًا لها، فمَن كانت له أمنية فليجهّزَ العدة لها، ويستحضرَ أسبابها، حتى تأتيه بكامل إرادتها، عندما يكون هو في كامل الاستعداد لقبولها واستلهامها ..

الأمر الحلو يحتاج وقتًا

“كل شي بوقتو حلو”، قالها الرئيس سعد الحريري فسقطت كالصاعقة على “مبغضيه”، بينما محبّيه رأوا فيها “بلسمًا” يخفّفُ عنهم عناءَ غيابه، بينما هو يؤمن أن الأمور “الحلوة” تتطلبُ وقتًا أكبر للتنفيذ كي تأتي على قدر كافٍ من الإبهار، يومها كانت الظروف مازالت رمادية في عقله وقلبه وعينيه، لكنه أراد أن يُرسل بعض الرسائل، أن “الحلو” آتٍ في وقته بعد أن يستنفد الوقت الكافي كي يصير حلوًا .
عبارة لها مدلولاتها الكثيرة والعميقة، دائمًا نسمعُها وتتردّدُ علينا ولو تأمّلنا فيها قليلًا لوجدنا أنها عميقة ومليئة بالحكمةِ والرضا، وتعني أن كُلّ شيءٍ سيأتي في الوقت المناسب لك، لقوتك، لمشاعرك، لقدرتك على التحمل، لن يأتي مبكرًا عن وقته ولا متأخرًا، بل في الوقت الأنسب والأفضل تمامًا، وبالنظر إلى ما شهدناه من متغيّرات جسيمة على المشهدين الداخلي والإقليمي، لأدركنا أن “الأمور الحلوة” كثيرة وعظيمة، وهذا كافٍ للدلالة على “رجاحة السعد” في قراءاته وقراراته .
من الأمور “الحلوة” سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا وتحرّر لبنان من هذا الطاغية الذي كان من ألدّ أعداء الرؤية الحريرية، ومنها سقوط الكثير من الأقنعة “المبهرجة” و “المزينة” بخبث مقيت عن حلفاء اعتقدوا أن هذا “الرجل” صار ماضيًا، ومنها أيضًا انكسار “المحور” الذي عاث بالبلد واعتبره “محمية” أيديولوجية له ولمصالحه من دون الاكتراث لحياة شعب بأكمله، شعبٌ أرادت “الحريرية الوطنية” توفير حياة كريمة له .. أمور “حلوة” جدًا لكنها تطلبت “وقتًا”، والوقت هو ما كان يراهن عليه سعد رفيق الحريري، ونجح في رهانه نجاحًا باهرًا .

الصمت والاستعداد

قبل ثلاث سنوات بالتمام والكمال، رفض الرئيس الحريري أن نكونَ على شاكلةِ “قطيع الأغنام” التي تمضي حياتها يحميها “كلب” من “ذئب” مزعوم، ولا تُدرك حتى وهي تُساق إلى المذبح أن الذئب هو مَن كان يرعاها ليوصلها إلى السكين، وأن الكلبَ شريك الذئب في قتلها وهو من كان يزعم أنه يدافع عنها، رفض أن يدفعَ بنا “كبش فداء” على مذبح المصالح والمراكز والكراسي، فنأى بنا وبنفسه عن حرائق كانت قادمة لتأكل الأخضر واليابس .
بعد أن ألقى الرئيس الحريري “خطاب التعليق” وركبَ طائرته مغادرًا لبنان، نشرَ على حسابه عبر منصة VERO فيلمين وثائقيين الأول بعنوان “ولادة نسر” والثاني بعنوان “عندما تتحدّاك الحياة كن نسرًا ولا تُضيّع وقتك مع غربان الحياة”، كان ذلك بمثابة “إشعار” أن العودة قريبة، وأن التعليقَ سيكونُ موقتًا، وأن الولادة الجديدة للحريرية الوطنية عمومًا ولتيار المستقبل خصوصًا قريبة لكنها تتطلب “وقتًا” وهو ما عبّر عنه بقوله “كل شي بوقتو حلو” .
في خطاب التعليق قال كلّ شيءٍ بوضوح، والتزم “الصمت” بعدها، ليس تهيّبًا للأحداث أو خوفًا ممّا هو آت، بل لأن الذين رفضوا تصديقه والتعاون معه وشبك أيديهم بيديه سيصلون إلى مرحلة “الاعتراف” أنه ورغم حداثة عمره السياسي أسوة بهم، تقدّم عليهم بأشواط في “فكفكة” شيفرة الأحداث وتسارعها ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة بأسرها، وكان يقينه بأهله ومحبيه لا يهتز أنهم سيتحمّلون “المرّة” التي عاهدوه عليها، لأن “الحلوة” آتية لكنها تتطلب وقتًا ..
14 شباط 2025، في الذكرى العشرين لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، سيقف “السعد” بين جمهوره مجدّدًا، ويعلنها بالفم الملآن، قلت لكم “كل شي بوقتو حلو”، وأنتم حافظتم على عهدكم معي وأدركتم أن “كل شي حلو بدو وقت”، فصَبَرتم وثبتّم وواجهتم حملات وافتراءات لم يُنزل الله بها من سلطان، وأكدتّم أن العلاقة التي تربطنا ببعضنا البعض لم تكن يومًا علاقة موقتة أو علاقة مصالح أو علاقة أيديولوجيا، بل هي فعل إيمان ويقين وإرادة لا تلين، ومعكم وبكم “كسبنا الرهان” ..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: