
لطالما كانت الحدود بين لبنان وسوريا نقطة توتر مستمرة، إذ تجاوزت كونها مجرد خطوط جغرافية لتصبح ممراً للعشائر، وتجار المخدرات، والمجموعات المسلحة.
على مدى أكثر من نصف قرن، بقيت هذه الحدود سائبة دون ضبط فعلي، مما أتاح المجال لتفاقم الأوضاع الأمنية والاقتصادية. واليوم، تعود القضية إلى الواجهة، بعد قرار الأمن العام السوري وإدارة العمليات العسكرية، تنفيذ حملة واسعة في ريف القصير الحدودي مع لبنان، بهدف ملاحقة المهربين وضبط عمليات التهريب التي نشطت بشكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة.
ضمن الإطار المذكور، أدت هذه الحملة إلى مواجهات عنيفة تسببت في طرد لبنانيين من قراهم السورية، ما دفع الجيش اللبناني إلى التدخل والرد على مصادر النيران. إن هذا التصعيد كشف مجددًا ضعف القرار السياسي اللبناني في التعامل مع ملف الحدود، إذ لا يزال يخضع لحسابات داخلية وخارجية معقدة. والسؤال الأبرز اليوم: هل تتخذ الحكومة اللبنانية الجديدة قرارًا حاسمًا لمعالجة هذه الأزمة، أم أن الواقع سيستمر كما هو؟
منذ ترسيم الحدود في عام 1920، لم تكن هذه المسألة أولوية بالنسبة للحكومات السورية المتعاقبة، خاصة في ظل الإنقلابات السياسية المتكررة ومن ثم حكم حزب البعث، الذي لطالما نظر إلى لبنان باعتباره امتدادًا له. أما في الجانب اللبناني، فقد انشغلت الحكومات بالأزمات الداخلية، متجاهلة أهمية فرض سيطرة واضحة على الحدود الشمالية والشرقية. وعلى مدى العقود الماضية، زادت سيطرة “حزب الله”، على هذه المناطق من تعقيد المشهد، إذ منح غطاءً للعشائر للتحرك بحرية، مما أدى إلى تضاعف عمليات التهريب التي أثقلت الاقتصاد اللبناني.
ورغم المحاولات السابقة لمعالجة الملف، فإن معظم الاتفاقيات بقيت حبراً على ورق. ففي عام 2008، أُعلن عن اتفاق مشترك بين الرئيسين اللبناني ميشال سليمان والسوري بشار الأسد لتفعيل لجنة ترسيم الحدود وضبطها، إلا أن هذه الجهود لم تترجم على أرض الواقع.
يرى الخبراء أن الحل الوحيد يكمن، في تحرك دبلوماسي وسياسي طويل الأمد، كما يؤكد الجنرال خليل الحلو أن الحكومة اللبنانية الجديدة مطالبة بمعالجة الملف سريعًا، سواء عبر تشكيل لجنة لترسيم الحدود أو من خلال التفاوض مع الجانب السوري لضمان حقوق اللبنانيين الذين طُردوا من قراهم هناك. كما ويدعو الحلو إلى تأمين ضمانات قانونية لهؤلاء السكان، إذ يمتلكون وثائق تثبت ملكيتهم للأراضي التي شيدوا عليها منازلهم.
في المقابل، طالت التطورات الأخيرة بعض القرى اللبنانية، حيث تعرضت مواقع للجيش اللبناني لقصف مصدره الأراضي السورية، ما دفع القوات المسلحة إلى الرد بدقة. ووفقًا للحلو، فإن هذا التدخل جاء بعد تنسيق بين قائد الجيش اللبناني جوزاف عون ورئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، في محاولة لضبط الأمور ومنع تفاقم المواجهات.
اخيراً، في ظل هذا المشهد المعقد، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الدولة اللبنانية فرض سيادتها على حدودها الشمالية والشرقية كما تفعل في الجنوب؟ يعتقد الحلو أن الجيش يمتلك الإمكانيات اللازمة للانتشار وضبط الحدود، لكنه بحاجة إلى قرار سياسي واضح يسمح له بالتحرك دون قيود. فهل تكون هذه الحكومة قادرة على اتخاذ هذا القرار، أم أن الأزمة ستبقى رهينة المصالح المتشابكة؟
المصدر: Mtv، مريم حرب