التدقيق الجنائي في لبنان: خطوة ضرورية لمكافحة الفساد

يُعتبر التدقيق الجنائي من أبرز الملفات التي فرضت نفسها في لبنان بعد الانهيار المالي والاقتصادي، حيث يُنظر إليه كخطوة ضرورية للكشف عن الفساد، واستعادة الأموال المنهوبة. وعلى الرغم من الجدل السياسي المستمر حول تنفيذه، فإنّ تحقيقه يعدّ أحد الركائز الأساسية للإصلاح المالي والاقتصادي في البلاد.
التدقيق الجنائي بين الوعود والتنفيذ
أُطلقت الدعوات لإجراء تدقيق جنائي شامل منذ سنوات، لكن التنفيذ الفعلي لم يكن بالمستوى المطلوب. إن التقرير الذي أصدرته شركة “ألفاريز أند مارسال” عام 2023 اقتصر على التدقيق في حسابات مصرف لبنان، ولم يشمل الوزارات والهيئات العامة الأخرى، مما جعله غير كافٍ للكشف عن شبكة الفساد المتشعّبة في الدولة.
ووفقاً لنائب رئيس مجلس الوزراء السابق، غسان حاصباني، فإن هذا التقرير لم يكن تدقيقاً جنائياً كاملاً، بل هو أشبه بإخبار مفصّل يمكن استخدامه كمرجع للتحقيقات، لكنه غير صالح للاستخدام المباشر في المحاكم القضائية.
أهمية توسيع التدقيق ليشمل وزارة المالية والوزارات الأخرى
ضمن الإطار المذكور، يؤكد حاصباني أن التدقيق الجنائي يجب أن يتوسّع ليشمل وزارة المالية، باعتبارها الجهة التي تمرّ عبرها جميع العمليات المالية الحكومية. كما يجب أن يمتد إلى مختلف الوزارات والمؤسسات العامة، بهدف تتبّع العقود، والمناقصات، والمشتريات، والإنفاق العام، وربطها بالمقاولين والمتعاقدين مع الدولة، وصولاً إلى كشف أي شبهات فساد أو تلاعب في الأموال العامة.
ويتطلب التدقيق في الوزارات، رفع السرية المصرفية عن حسابات الموظفين والمسؤولين والمقاولين المتعاملين مع الدولة، إضافة إلى التعاون مع جهات خارجية في حال تم تحويل الأموال إلى خارج لبنان.
التدقيق الجنائي ودوره في استعادة الأموال المنهوبة
بحسب حاصباني، فإن التدقيق الجنائي يتيح إمكانية استرجاع الأموال المختلسة وضخّها في خزينة الدولة، مما يعزّز الوضع المالي للحكومة ويسهم في سداد جزء من ديونها. كما يمكن أن يساهم في إعادة أموال المودعين، خاصة مع الحاجة الملحّة لإيجاد حلول للأزمة المصرفية.
العوائق أمام تنفيذ التدقيق الجنائي
على الرغم من أهمية التدقيق الجنائي، إلا أن تنفيذه يواجه عدة عوائق، أبرزها:
-غياب الإرادة السياسية لدى بعض الجهات التي قد تتضرر من نتائجه.
-الحاجة إلى وقت طويل وجهود كبيرة لتنفيذ التدقيق بالشكل الصحيح.
-مقاومة بعض القوى السياسية التي تخشى من كشف تورطها في الفساد المالي.
-عدم تعاون بعض الوزارات والجهات الحكومية مع فرق التدقيق
مستقبل التدقيق الجنائي في لبنان
إن المضي في التدقيق الجنائي يتطلب التزاماً حكومياً صارماً وضغطاً شعبياً مستمراً لضمان عدم طمسه أو تسييسه. كما أن أي وزير يتولى وزارة المالية، سيكون تحت المجهر، محلياً ودولياً، حيث إن أي تلاعب أو محاولة لعرقلة التدقيق قد يؤدي إلى فرض عقوبات دولية أو حجب المساعدات المالية عن لبنان..
في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بالبلاد، يبقى التدقيق الجنائي أمراً حاسماً لإعادة بناء الثقة في الدولة ومؤسساتها، وتمهيد الطريق أمام إصلاحات جذرية تعيد للبنان استقراره المالي والاقتصادي.

المصدر: نداء الوطن، باتريسيا حداد

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top