التوترات الأمنية في لبنان: تصاعد الجرائم والتحديات السياسية وسط تهديدات إقليمية

يشهد لبنان تطورات أمنية مقلقة أعادت الأوضاع إلى نقطة الصفر، رغم الآمال التي رافقت انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة. فالتوترات المتصاعدة، من الجرائم الجنائية إلى قطع طريق المطار، مروراً بالاعتداءات على قوات اليونيفيل والتصعيد الحدودي، تطرح تساؤلات حول طبيعة ما يجري والجهات الفاعلة في هذه الأحداث.
يرى العميد المتقاعد هشام جابر أن الارتفاع الملحوظ في معدلات الجرائم الجنائية خلال الفترة الأخيرة يثير الاستغراب، خاصة مع عودة أعداد كبيرة من النازحين السوريين إلى بلادهم. وكان من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى انخفاض معدلات الجريمة، مما يستدعي تحقيقًا أمنيًا دقيقًا لتحديد الأسباب الفعلية وراء هذا التدهور الأمني. ومع ذلك، يؤكد جابر أن الوضع لم يصل بعد إلى مرحلة الانفلات الكامل، وأن الأجهزة الأمنية قادرة على التعامل مع هذه التحديات.
أما فيما يتعلق بالأحداث الأخيرة، فيشير جابر إلى أن منع هبوط الطائرة الإيرانية في مطار رفيق الحريري الدولي أثار ردود فعل واسعة، أبرزها قطع طريق المطار، في ظل مخاوف من استهداف إسرائيلي محتمل للمطار. ويرى أن لبنان، الذي حظي بدعم دولي في الفترة الماضية، يجب أن يستثمر هذا الدعم لحماية أمنه وسيادته، وليس فقط لإنجاز استحقاقات داخلية مثل انتخاب الرئيس أو تشكيل الحكومة. كما أنه يشدد على أهمية تحرك الدبلوماسية اللبنانية لمواجهة التهديدات الإسرائيلية وضمان عدم زعزعة استقرار البلاد.
من جهة أخرى، يعتبر جابر أن “حزب الله” يسعى لإثبات أنه لا يزال قوة فاعلة في المشهد السياسي والأمني، وأنه لن يقبل بالمزيد من الضغوطات. إلاّ أنه يضيف، بأن قطع طريق المطار يشكل خطًا أحمر، ويتطلب موقفًا واضحًا من الحكومة التي يجب أن تتحاور مع الحزب وتحمّله المسؤولية عن ضبط الوضع. ويلفت إلى أن الجيش اللبناني قام بواجباته في مواجهة هذه الأحداث، وأن أي اعتداء على مرافق حيوية مثل المطار لا يمكن التساهل معه.
أمّا على الصعيد السياسي، يشير جابر إلى ضرورة وجود تفاهم داخلي بين الحكومة و”حزب الله”، خاصة أن الحزب ممثل في السلطة بشكل غير مباشر عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري. كما يؤكد على أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه وزارة الخارجية والمجتمع الدولي في التعامل مع التصعيد الإسرائيلي، معتبرًا أن التهديدات المتكررة قد تزيد من حدة التوترات الداخلية، خصوصًا في ظل شعور بعض الأطراف بأنها تعرضت لخسائر كبيرة.
من ناحية أخرى، يرى جابر أن التوازن بين العمل العسكري والدبلوماسي هو الحل الأمثل لمواجهة التحديات الأمنية. كما أنه يحذر من أن أي تمديد للوجود الإسرائيلي في لبنان قد يؤدي إلى تصعيد غير محسوب، خصوصًا مع الأثر العاطفي الذي قد ينتج عن أي استهداف لقادة بارزين في “حزب الله”. كما يعوّل على تقارير مثل تلك التي نشرتها “وول ستريت جورنال”، والتي أشارت إلى احتمال انسحاب إسرائيلي من بعض المناطق، على أن تتولى القوات الفرنسية التابعة لليونيفيل المسؤولية الأمنية هناك.
أخيراً، ورغم التوترات القائمة، يعبّر جابر عن تفاؤله بقدرة الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية على ضبط الوضع الداخلي، مشيرًا إلى أن وزير الدفاع الجديد ميشال منسى يمتلك الكفاءة اللازمة لممارسة صلاحياته بفعالية. كما يؤكد أن التنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية يساهم في منع الانزلاق نحو الفوضى الشاملة، إلا أن أزمة الحدود اللبنانية السورية لا تزال تشكل تحديًا كبيرًا يتطلب حلولًا جذرية لضمان استقرار لبنان على المدى البعيد.

المصدر: نداء الوطن، سارة تابت

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: