الحكومة وبيانها الوزاري .. أفعال أم ضجيج “طبل” !! ..

بقلم خالد صالح

يُحكى أن “واليًا” أرادَ أن يُصنعَ له “طبلٌ” كبير جدًا وصوته قوي وصاخب جدًا، كي يُقرع عند خروجه من القصر، فيصطف الناس على جانبي الطريق تبجيلًا وتعظيمًا له، فطلب من صانعي الطبول هذا الأمر لكنهم عجزوا عن تحقيق رغبة الوالي لصعوبة المهمة، فمن أين لهم القدرة على صناعة “طبل” بهذا الحجم وصوته بهذه القوة.
غضب الوالي كثيرًا وقرر الانتقام من صانعي الطبول، فتقدّم شابٌ في مقتبل العمر وأخبر الوالي أن باستطاعته صناعة “الطبل” واشترط لذلك تأمين الأموال اللازمة والوقت الكافي فكان له ما أراد، وبعد مضي فترة من الزمن أراد الوالي القيام بجولة في مدينته، فاندهش عندما رأى الناس يصطفون على جانبي الطريق يهللون له وينثرون عليه الورد، ففرح كثيرًا بما رأى، لكنه تساءل كيف اجتمع الناس وهو لم يسمع قرعًا لأي “طبل” ..
استدعى الشاب وسأله عن الطبل، فقال الشاب: ليس هنالك من طبل، كل ما فعلته هو أنني استخدمت الأموال التي أعطيتني إياها لسداد ديون الناس وقضاء حوائجهم ومساعدتهم في معيشتهم ومدارسهم وأمورهم الحياتية، فعلت كل هذا باسم “الوالي”، لذلك خرجوا اليوم لشكرك والاعتراف بامتنانهم وبولائهم المطلق لك ..

لا للثلاثيات

تدخل حكومة “الإصلاح والأنقاذ” منعطفها الأخير وهو الأهم “البيان الوزاري” وسط ترقّب سياسي لأمر واحد فيما يتعلّق بالثلاثيات التي دائمًا ما كانت محلّ تجاذب بين الأطراف، وأي صيغة ستعتمدها الحكومة في هذا الشأن، وكأن هذه الصيغة هي “العصا السحرية” التي ستحلّ مشاكل اللبنانيين برمّتها، أو بالأدق ستكون هي “الطبل” الذي سيجعل من اللبنانيين يلتفون حول حكومتهم ويؤيدونها في لاحق الخطوات والتدابير ..
المواطن اللبناني الذي قاسى ما قاساه خلال السنوات الخمسة الماضية، يريد تدابير تعني حياته وقوته ومعيشته، يريد إصلاحات حقيقية تطاول إداراته الرسمية ومؤسساته الوطنية وقطاعاته المنتجه ويبحث عن معادلات واضحة بالنسبة لودائعه وأمواله وجنى عمره الذي ضاع في زواريب “متاهة” الدولة والمصارف، ولا تعنيه ثلاثيات من هنا أو من هناك، ذهبية كانت أم خشبية ..
المواطن اللبناني الذي استبشر خيرًا بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، لا تعنيه البهرجات واللافتات واليافطات العريضة، ولا يهمه “الطبل” ذي الصوت العريض الذي يصل إلى مسامع الناس كافة، ولا يريد صورًا تغطي الأوتوسترادات والشوارع في المدن والبلدات والقرى، يريد سياسة حكومية تهتم به كـ “إنسان” وتراعي حياته وحياة أبنائه، لأن هذا فقط من يصنع “المجد” للقادة والزعماء وغير ذلك ما هو إلا كغثاء السيل ..

نجاح رهن الأفعال

إذا الحكومة أمام امتحانها الحقيقي الأول، والمجلس النيابي سيكون أمام امتحان كبير لا يقتصر على موضوع “طبل الثلاثيات”، بل سيطالب الحكومة في مسائل أكثر قيمة من ذلك، الوضع جنوبًا والقرار ١٧٠١ واتفاقية الهدنة ووقف إطلاق النار، ثم معدلات النمو الاقتصادي والكهرباء والرواتب وأموال المودعين والاتصالات واستقلالية القضاء والمدرسة الرسمية والجامعة الوطنية، أمور بالنسبة للبناني تتقدم بكثير على “صوت الطبل”، لأن هذه الأمور هي ما سيحدد نجاح الحكومة من عدمه ..
البيان الوزاري الذي سلّط الضوء على عناوين عريضة ومهمة، تضع الحكومة أمام “ثقل”مسؤولية التنفيذ، ومواجهة الناس لاحقًا لأن العبرة في التنفيذ وليس الصياغة فحسب، وإن كانت “المسودة” قد تجاوزت الثلاثيات وذهبت وفق ما نصت وثيقة الوفاق الوطني، فإن القضايا الأساسية تظل هي المحك الأبرز لهذه الحكومة، خصوصًا أنها أمام جملة من الاستحقاقات الدستورية بدءا من الانتخابات البلدية والاختيارية، وصولا إلى الانتخابات النيابية العام المقبل ..
لذلك فإن ما نشهده خلال الأيام الماضية من رفع لسقف المواجهات السياسية وغير السياسية ما هو إلا محاولات يائسة لصناعة “الطبل” الذي يصل صوته وصداه إلى الناس، وهنا على رئيسي الجمهورية والحكومة المراهنة على القضايا الاجتماعية والحياتية لأنها فقط من سيحدد نجاحهما من فشلهما في أولى مراحل “العهد الجديد” ..
“البيان الوزاري” ثم امتحان “الثقة”، مفترق دقيق أمام الحكومة، وعليها أن تخرج من إطار العناوين العريضة البراقة إلى خطاب يحاكي الناس بالمباشر، فاللبناني شبع مصطلحات وأقوال ويريد انجازات حقيقية وأفعال، لذلك فإن تجاوزت هذا المفترق وبدأت بمحاكاة الواقع عن قرب، ستجد الناس يهللون لها ويباركون أعمالها من دون الحاجة إلى “طبل” ينبه الناس، فاللبناني ينفخ بـ “اللبن” لأن الحليب كواه كثيرًا ..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: