“تيار المستقبل” .. بعد 14 شباط ليس كما قبله !!

بقلم خالد صالح

وردَ في “حوار الطيور” في كتاب “كليلة ودمنة” للأديب العربي الكبير “ابن المقفع” أن “دجاجة” وقفت أمام “النسر” وقالت: “لماذا تُحلّقُ عاليًا بشكلٍ دائم وتسكنُ على القمم دومًا، ألا ترى أنّ عددَ فصيلتكم قليل، تعالَ إلينا وأدخل القفص فهناك مَن يُطعمنا ولا نُتعب أنفسنا بالطيران ولا يوجد “ذئب” يُهددنا ؟”.
ضَحِكَ “النسر” وقال: “عندما تُحلّقين عاليًا تشعرين بنشوة العزّة والكرامة والشموخ، وعندما تسكنين القمم العالية يحسُدكِ الناس جميعًا، وعندما تأكلين ما تتعبين للحصول عليه تعرفين المعنى الحقيقي للحياة، ألا ترين أنّ مَن يُطعمكِ من “بقايا” طعامِهِ يذبحُ أولادَكِ ويأخذُ بيضكِ ويحبسُكِ بشكل دائم بحجة أنّ الذئب قادم” ..
فضحكت الدجاجة وقالت:”إنك تتكلمُ بكلامٍ غير مفهوم مثل النشوة والعزة والكرامة والحياة والحرية والقمم، فهل أنت مجنون؟ ما معنى هذا الكلام؟”، فقال لها “النسر”: أنا أفهم ما تقولين لأنك ولدت في القفص وعشتِ فيه ولن تفهمي ما أقوله” !!..

ليست محطة عابرة

مَن يعتقد أن “مشهدية” 14 شباط 2025 كانت مجرّد إحياء للذكرى العشرين لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لم يفهم حقيقة الواقع الجديد لـ “تيار المستقبل” الذي نفضَ عن كاهله “غبار” تعليق العمل السياسي التقليدي لثلاث سنوات، لاستعادة “وهج” حضوره الوطني ودوره في رسم معالم الأفق الجديد للبنان، فهذه المحطة شكّلت بتفاصيلها كسرًا في الشكل والمضمون لأسلوب لم يعد جائزًا إتباعه أو العمل فيه .
عودة “المستقبل” للساحة كانت متوقعة خصوصًا أن المتغيّرات الداخلية والإقليمية مهّدت الأرض لها، وشكّلت “مروحة” اللقاءات التي أجراها الرئيس سعد الحريري “مادة دسمة” للمتابعة السياسية والاعلامية، وأثارت الكثير من الأسئلة الباحثة عن إجابات واضحة عليها، ولأن الحريري أكد في خطابه أن “صوت المستقبل سيكون حاضرًا في كل الاستحقاقات الوطنية المقبلة”، بدأت “التحليلات” تتراكم حول الاستفسار عن سؤال واحد : من سيكون حليف “المستقبل” في المرحلة المقبلة ؟ .
تعمّد الحريري عدم الدلالة لهذا المسار، ووجّه “رسالته” أن “المستقبل” سيكون حاضرًا وأن تحالفاته المقبلة لن ترتكز على قواعد مجرّبة سابقًا، وما لقاءاته “الشاملة والمتنوعة” إلا عبارة عن موقف صريح بأنه لن يكون مع هذا الفريق أو ذاك ضد هذا الفريق أو ذاك، وأن الأسس التي سيعتمدها ستكون مغايرة عما سبق، وأن تحالفاته ستكون مستمدة من تماهيه مع قواعده الشعبية التي صمدت وصبرت أمام كل المحاولات لتفتيتها أو وراثته فيها .

خارطة طريق

“لبنان أولًا” هي المفتاحُ السحري لمسار “المستقبل” كما رسمه الحريري، لهذا شدّد في كلمته عليها واضعًا إياها كـ “برنامج عمل”، وتعمّد ألا يُغلق الباب بوجه أحد بل تركه “مواربًا” و “مفتوحًا” أمام أي “سيناريو” يتوافق مع هذا البرنامج خصوصًا لجهة العلاقة ومفاهيمها مع بقية الأفرقاء، وأن التموضع السياسي لـ “تيار المستقبل” لايزال ثابتًا عند تقاطعات راسخة في وجدان اللبنانيين ولن يتبدّل، وإن حصل هذا التبدّل فسيكون في الأداء وليس في العناوين العريضة .
“الشراكة الكاملة” بين مكوّنات البلاد شكّلت منطلقًا مهمًا وكأنها “خارطة طريق” للمرحلة المقبلة، هذا الأمر أثار “جنون” البعض الذين رأوا بهذا المصطلح “انفتاحًا” على القوى الأخرى، وهذا ما لايريدونه من الحريري الذي يرفض أي اصطفافات “مواجهة”، بل أكّد أن “مشروع رفيق الحريري مكمّل”، مشروع الاعتدال والوسطية والتلاقي والعيش المشترك الحقيقي بين كافة المكوّنات، مؤكدًا أيضًا أنّ “قوة التعطيل” لن تخدم المصلحة الوطنية العليا.
من هنا فإن تموضع “المستقبل” في “المستقبل” القريب والبعيد على السواء سينحاز دومًا لمصلحة لبنان، ولن يرضى بتقديم مصالح أي فريق مهما علا شأنه على رؤية المستقبليين الذين ثبتوا وصبروا وقاسوا على مدار ثلاث سنوات من محاولات التهميش و “التنتيش” من هنا وهناك، هذه الرؤية التي أرساها الحريري بدعمه الكامل لأركان الدولة من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة الجديدة، ويتمّ تلخيصها بأن “المستقبل” يقف دومًا وينحاز بقوة لمنطق “الدولة” .

تحالفات واضحة

لن يقبل “نسر المستقبل” بعد 14 شباط أن يكونَ أسيرَ “القفص” ويقتات على فضلات الغير، وهو لم يكن على هذه الشاكلة منذ أن طرق أبواب السياسة اللبنانية، ولن يقبلَ بمحاولات البعض أن يجعلوا منه “دجاجة” يُرهبونه دائمًا من “الذئب” بينما يكمنون له عند كل مفترق، فالتمسّك بالثوابت القائمة على الحرية والمساواة والشموخ والمرتكزة على “قاعدة جماهيرية” عريضة منتشرة على كامل مساحة الوطن، تجعل الجميع في “حالة تودّد” للتحالف مع “المستقبل” وليس العكس .
صحيح أنه لايزال من المبكر الحديث عن طبيعة “تحالفات” المستقبل للمرحلة المقبلة، لكنها من دون شك ستكون قائمة على معايير جديدة ومختلفة عن سابقاتها وستكون مفتوحة على كل الاحتمالات طالما أنها قائمة على الثوابت، ولعل بعض اللقاءات التي أجراها الحريري أقلقت البعض الذين قرأوا في شكلها ومضمونها أن مسار تحالفاته قد يؤثر على طبيعة حجمهم ووزنهم في التركيبة السياسية، لذلك شنّوا “حملة” متعددة “النوايا” بعد أن استقبل وفد حزب الله لتسليمه “دعوة” لتشييع أمينيه العامين نهار غد الأحد .
ومع تكريسه لنهج “الاعتدال” الواضح والرافض لأيّ منطق للتطرف، سواءَ السياسي أو الطائفي وحتى المناطقي، سيكون “المستقبل” محط أنظار الجميع من دون استثناء نظرًا لما يُمثله من أبعاد وطنية و “سنّية” على وجه التحديد، مع ما سيرسمه من معالم مختلفة ستؤكدها عودته للعمل السياسي، لأن ممارسة “الوسطية” أمرٌ يتطلب مقوّمات واضحة لا تتوافر بشكل كبير إلا لدى “المستقبل” ..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: