
بدأت الحكومة اللبنانية الجديدة بقيادة نواف سلام بتفعيل أجهزة الرقابة حتى قبل نيلها الثقة، انسجاماً مع خطاب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وتنفيذاً لما ورد في البيان الوزاري، إضافةً إلى تلبية شروط المانحين الدوليين الذين يربطون أي مساعدات مالية للبنان بتنفيذ إصلاحات جذرية لمكافحة الفساد وضمان الشفافية في إدارة المال العام.
في خطوة لافتة، أصدر رئيس الحكومة تعميماً بناءً على اقتراح وزير المال، يلزم جميع المؤسسات العامة والمرافق التابعة للدولة بإخضاع حساباتها لنظام تدقيق داخلي ومستقل عبر مكاتب تدقيق ومحاسبة معتمدة، بهدف تعزيز الشفافية، منع الهدر المالي، وملاحقة المتورطين في قضايا الفساد. كما سلّم الرئيسان عون وسلام تصريحَي الذمة المالية الخاصّين بهما إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، التزاماً بقانون مكافحة الفساد في القطاع العام.
ضمن الإطار المذكور، تعد أجهزة الرقابة جزءاً أساسياً من الهيكل الإداري اللبناني، أبرزها ديوان المحاسبة الذي يتولى القضاء المالي ويراقب الأموال العامة، والتفتيش المركزي الذي يشمل جميع المؤسسات الحكومية، ومجلس الخدمة المدنية المسؤول عن دراسة قانونية التوظيفات والتعيينات، والهيئة العليا للتأديب التي تعنى بمحاسبة الموظفين الحكوميين والمؤسسات الأمنية والعسكرية عند ارتكاب المخالفات، إضافة إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وهي هيئة إدارية مستقلة أنشئت عام 2020 بهدف مراقبة الأداء الحكومي ومنع الفساد، ومجلس شورى الدولة الذي يعد أعلى هيئة رقابية في لبنان، إذ يمتلك صلاحية إبطال المراسيم الحكومية المخالفة للقانون.
إلى جانب أجهزة الرقابة التقليدية، هناك الهيئات الناظمة التي أُنشئت بعد مؤتمري باريس 1 و2 بضغط دولي لضمان تنظيم وخصخصة قطاعات حيوية مثل الاتصالات والكهرباء والطيران المدني والأسواق المالية، لكن رغم أهميتها، لم تُفعّل بالشكل المطلوب نتيجة غياب الإرادة السياسية، مما أدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والخدماتية.
كما أن تفعيل أجهزة الرقابة ليس خطوة جديدة على لبنان، إذ تعود أصولها إلى عهد الرئيس فؤاد شهاب الذي سعى إلى بناء دولة مؤسساتية حديثة، إلا أن الطبقة السياسية المتعاقبة عملت على تعطيل دورها وتقييد صلاحياتها، ما أدى إلى استفحال الفساد والمحسوبيات. اليوم، إعادة إحياء هذه الأجهزة يتطلب قراراً سياسياً حاسماً يمنحها الصلاحيات الكاملة لممارسة دورها الرقابي بفاعلية بعيداً عن أي تدخلات سياسية.
وفقاً للبيان الوزاري، تلتزم الحكومة بتفعيل الهيئات الرقابية وتعزيز المحاسبة، من خلال تعيين أو تفعيل مجالس الإدارة والهيئات الناظمة في قطاعات الكهرباء والاتصالات والطيران المدني والإعلام، إلى جانب تسهيل معاملات المواطنين، وزيادة كفاءة القطاع العام عبر إعادة تأهيل الموظفين الحكوميين وتحسين أدائهم الإداري.
لكن يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الحكومة من تحقيق وعودها أم ستبقى هذه الخطوات مجرد إجراءات شكلية دون تأثير فعلي على أرض الواقع؟
المصدر: الشرق الأوسط، بولا أسطيج