
كتب د. عبدالله بارودي
لم يعتد اللبنانيون بكل أطيافهم على مواقف صاخبة تصدر عن “دار الفتوى”، التي كانت دائمًا بالنسبة لهم ولا تزال ملاذًا للسكينة و الطمأنينة..
“دار الفتوى” لطالما شكّلت الركيزة الأساسية للسلم الأهلي والعيش الواحد بين أبناء الوطن، ولعبت دورًا بارزًا على مدار عقود وأجيال في تثبيت العيش المشترك ورعت التوازن والصلح والوئام بين مختلف الأفرقاء السياسيين، فكانت بحق دارًا للسلام والمحبة والوفاق..
كل ما جرى ذكره لا تزال “دار الفتوى” متمسكة و مستمرة به عن قناعة راسخة بإعتبار أنه لا يمكن للبنان ان ينعم بالإستقرار والأمان من دون إعمال رجاحة العقل وتغليب لغة الإعتدال التي لطالما حملت رايته الطائفة السنية في لبنان ولا تزال..
لكن يبدو ان البعض ظنّ بذلك ان السُنّة في لبنان لا كلمة لهم ولا رأي، فلا قيادة سياسية مركزية و المرجعية الدينية تكتفي بدور المتفرج، أو بأحسن الأحوال معالجة الأزمات بالتي هي أحسن من دون صخب وضجيج..
وفق هذا المعطى، شعر الجميع بهالة وأهمية ودقة الكلام الذي صدر عن سماحة مفتي الجهورية اللبنانية الشيخ محمد عبد اللطيف دريان في احتفال تكريم الحجاج في مسجد محمد الأمين وسط بيروت..
كلام لا يمكن لأي مرجعية سياسية أو أمنية أو قضائية تجاوزه أو حتى الإلتفاف حوله.. كلام نابع من القلب والعقل.. كلام أراده سماحته ان يصل الى كل من يريد ان “يسمع او لا يسمع”..
أهمية كلام المفتي يكمن انه جاء بعد سنوات من انتظار أبناء رعيّته له ولمضمونه ، فانفرجت أساريرهم و امتلأت صفحات مواقع التواصل الإجتماعي بعد ساعات قليلة من خطاب المفتي دريان بعبارات ومواقف الترحيب والدعم لما صدر عن سماحته ..
كيف لا؟ وهم برأيهم يعانون من ظلم وتهميش وطني لا مثيل له منذ سنين، لكن مقولة ان السُنة هم “أم الصبي” جعلتهم في كل مرة يتراجعون ويصبرون..
لكن من الواضح ان سماحة المفتي صبره نفذ ولم يعد قادرًا على رعاية وطمأنة أهله وناسه، بالنسبة له السُنة اكتفوا، لم يعودوا حصرًا “أم الصبي” بل هم “الصبي” كلّه .. وعلى هذا الأساس وبإختصار لا بلد من دون السُنة!..
لغة رآها البعض نافرة وشديدة الخطورة في ظلّ الواقع الذي يعيشه البلد وموجهة ضد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة القاضي نواف سلام..
لكن الحقيقة، أن سماحة المفتي لا يعنيه ما يتم استنتاجه او تحليله من خطابه.. بالنسبة له قال كلمته ومشى..
“لم يرد في كلامه العالي النبرة انتقاد او مهاجمة او حتى توجيه أي رسالة للرئاستين الأولى والثالثة، ومن فهم ذلك عليه ان يُعيد حساباته” على ما تذكر مصادر “ديموقراطيا نيوز”..
ووفق المعلومات التي حصلت عليها “ديموقراطيا نيوز” يبدو ان سماحة المفتي ضاق ذرعًا ببعض الوقائع التي حصلت مؤخرًا خصوصًا في الجانب القضائي والسياسي والأمني والتي ظهر أنها تستهدف فئة من اللبنانيين دون غيرهم. بالنسبة لسماحته القانون والحق والعدالة أمور لا يمكن المساومة عليها او تخطيها او تجاوزها، فلكل مرتكب نصيب من الجزاء العادل الذي يستحق.. لكن بشرط ان يسود هذا الأمر على جميع اللبنانيين دون تمييز او محاباة!..
لا تريد مصادر “دار الفتوى” ان تدخل بالتفاصيل والأسماء، فالأمور واضحة، و الجميع يرى ما يجري من بيروت وصولًا الى طرابلس أمنيًا وقضائيًا وغيرها..
انذار يبدو أنه الأخير أطلقه سماحة المفتي دريان في محاولة منه للفت نظر المسؤولين الى خطورة ما يحدث، ليتحملوا مسؤوليتهم الوطنية قبل فوات الآوان، ومواجهة نقمة او تمرّد شعبي، نندم جميعًا عليه في ساعة لا ينفع فيها الندم!..