
أسابيع قليلة تفصل اللبنانيين عن تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان. يبدأ العهد الجديد بتنفيذ التعيينات الحكومية. ضمن الإطار المذكور، يطرح السؤال: هل سيأتي حاكم جديد ليحلّ مكان وسيم منصوري؟ لقد عمل منصوري بصمت ولم يعلن إنجازاته لأسباب عديدة.
تكتّم منصوري وتلاحق الأزمات السياسية والاقتصادية أخفى ما حققه المصرف المركزي. رغم ذلك، أسّس مرحلة جديدة يمكن أن يبني عليها الحاكم المقبل. كذلك، نفّذ منصوري إصلاحات مهمة عززت الاستقرار النقدي. إذ، جعل العمل داخل المصرف مؤسساتيًا، ووزّع المهام بين المديريات. وثّق القرارات ضمن محاضر رسمية وطبّق آليات تدقيق داخلية وخارجية. وقّع رئيس الحكومة ووزير المالية على المحاضر، مما عزز الشفافية. أوقف منصة “صيرفة” في أغسطس 2023، وامتنع عن شراء الدولار، مما ضبط الطلب على الليرة. أعاد المؤسسات الشرعية إلى القطاع المصرفي عبر التعميم 165، مما سهّل على وزارة المالية مراقبة الالتزامات الضريبية.
من ناحية أخرى، أوقف منصوري تمويل الدولة منذ 2019، مما ضمن استقلالية المصرف المركزي. حافظ على أموال المركزي من أي دعاوى محتملة بسبب سندات اليوروبوندز. نظم مالية الدولة بعد انتهاء ولاية رياض سلامة. عقد اجتماعات مع الوزارات لتوحيد سعر الصرف وأسعار الضرائب. رفعت الخزينة إيراداتها إلى الضعف خلال أربعة أشهر. علاوة على ذلك، سجلت موازنة 2024 فائضًا قدره 600 مليون دولار، وهو الأول منذ 50 عامًا. حيث أنفقت الحكومة 400 مليون دولار فوق موازنتها البالغة 3.2 مليارات دولار. كما زاد الإنفاق الاستثماري مقارنة بالسنوات السابقة التي شهدت عجزًا.
في المقابل، نظم مصرف لبنان حسابات الدولة، ففصل الأموال القديمة عن الحديثة. عدّل موازنته وألغى بند “Other Assets” لتلبية معايير بنك التسويات الدولية. وحّد سعر الصرف وألزم المصارف بالالتزام به لكشف حجم موجوداتها الحقيقية. خفّف وطأة “اللائحة الرمادية”، إذ أعفت منظمة FATF المصرف المركزي والمصارف من الإجراءات لمدة سنتين. أقرت المنظمة بأن مصرف لبنان اتخذ إجراءات استقرار نقدي مقبولة دوليًا.
أعاد المصرف علاقته بالنظام المصرفي العالمي. طلب من صندوق النقد الدولي إجراء مراجعة تشخيصية للحَوْكمة. أصبح الصندوق قادرًا على مراقبة عمل مديريات المصرف. لم ينشر الصندوق تقاريره، ولن يفعل قبل توقيع لبنان على برنامج معه. تعاون المصرف مع القضاء بعد صدور تقرير “ألفاريز أند مارسيل”. أرسل الملفات المطلوبة وبدأت التحقيقات، مما أدى إلى توقيف رياض سلامة. رفع المصرف دعاوى في دول أوروبية لاستعادة الأموال المختلسة.
مهّد مصرف لبنان لخطة إعادة الودائع. صنّف الودائع وفق مصدرها وأنشأ “الرقم المصرفي الموحد”. حدد أموال المودعين بدقة، مما سمح بمراجعة شاملة لبنية الودائع. أصدر التعاميم 158 و161، ووسّع عدد المستفيدين منها، وزاد المبالغ الشهرية المخصصة لهم. حافظ على الاستقرار رغم الظروف الصعبة. ترسم هذه الإنجازات مسارًا يمكن أن يستكمله الحاكم المقبل.
المصدر: نداء الوطن، عماد الشدياق